شيفرة تعيد معبد بعل إلى «لؤلؤة البادية» السورية

الشيفرة الوحيدة لأي مشروع لإعادة بناء «معبد بعل» في مدينة تدمر الأثرية السورية الذي دمره تنظيم «داعش» قبل سنة، موجودة في جيب باحث ياباني وهب حياته لـ «لؤلؤة البادية» وأهلها. والخطة تنتظر لحظة سياسية تسمح له بالكشف عن الكنز الدفين وتحويل الصور والمخططات الموجودة على الكومبيوتر الخاص به إلى واقع وسط الخراب السوري.

شيفرة كايهودا سايتو مستشار الآثار في «معهد التنقيب والآثار في كاشيهارا» في نارا، خلاصة لربع قرن من الانعزال في ظلال «لؤلؤة البادية» السورية. انتهى سايتو من جولة في متحف كاشيهارا الذي يتحدث عن تعاقب الحضارات اليونانية ودور حضارة نارا في القرن الثامن قبل اندثارها، وجلس في مكتبه. شذب شاربيه. فتح الكومبيوتر المحمول وراح يجول في صور وفيديوات تدمر كأنه يتحدث عن مسقط رأسه في ريف نارا.

في ١٩٨٨، شارك في مؤتمر عن طريق الحرير. لكنه بعد سنتين وجد نفسه في بعثة تنقيب في تدمر. ومذّاك استوطن في «لؤلؤة البادية»، وكان يمضي وقته بين نارا وتدمر حيث درس مقابرها الأثرية والمعلقة وقوس النصر والمسرح الروماني وقلعتها العظيمة. لكن الأهم، بالنسبة إليه، أنه عاش مع عشرات آلاف من التدمريين. ويقول لـ «الحياة» أنه لم يفصل في أي يوم بين البشر والحجر، بل بالنسبة إليه، وهو المختص بالآثار ومطاردتها، «أهالي تدمر أهم من الآثار».

ذات يوم، قرر أن يمضي في مطاردة هوسه بـ «معبد بعل» الذي يعود عمره إلى أكثر من ألفي سنة، فكرس كل خبرته وجمع كل المعطيات عن المعبد. صور وأحجار ومعلومات تاريخية ومراسلات من بعثات أثرية أجنبية. كل المعلومات وضعها في برنامج كومبيوتر خرج منها تصور ثلاثي الأبعاد للمعبد.

وقتذاك، كان اهتمامه أكاديمياً وانتهى منه في العام 2010. لم يكن يعلم أن هذه الصور والفيديوات الثلاثية الأبعاد ستكون أمرا نادراً. وبقي يتردد على سورية ويحرس آثار تدمر وشاهد بدء التظاهرات والحراك السلمي، قبل أن يخرج في أيلول (سبتمبر) ٢٠١١.

الإنذار الأول حصل في أيار (مايو) ٢٠١٥، عندما سيطر «داعش» بسهولة على تدمر واستفاد التنظيم من الروابط الأسرية بين عناصره في معقله بالرقة وتدمر. أما الإنذار الثاني، فكان في نهاية آب (أغسطس) العام ٢٠١٥، عندما قرر التنظيم تفجير «معبد بعل».

لم يصدق سايتو الأنباء عن أن هوسه قد تحول رماداً. لاحق الأنباء والصور. تواصل مع «المديرية العامة للآثار والمتاحف» في دمشق ومديرها مأمون عبدالكريم، فتأكد أن «معبد بعل» صار أثراً بعد عين. ويقول أنه كان يعود كل يوم إلى الكومبيوتر كي يرى المعبد كما كان قبل التدمير. يقلب صوره واحدة بعد الأخرى ويتأمل الفيديو والصور الثلاثية الأبعاد إلى أن طرد الجيش الروسي والقوات النظامية السورية «داعش» من تدمر.

في نهاية آذار (مارس) الماضي، طردت القوات النظامية بغطاء جوي روسي «داعش» من تدمر. استحوذ الخبر على أولويات وسائل الإعلام. الرئيس فلاديمير بوتين تحدث مع «المحررين» عبر الفيديو ودشن حفلة موسيقية كلاسيكية. كما بارك عمدة لندن بوريس جونسون، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية، استعادة «قوس النصر» من «داعش»… حتى لو كان ذلك عبر القوات النظامية، في حين قال ناشطون معارضون أن تدمر تعرضت للتدمير وتهجير أهلها، وشكك بعضهم في «لعبة تدمر وأسباب عدم منع القوات النظامية داعش من السيطرة على المدينة الأثرية».

تحرير تدمر من «داعش» خبر سار لمن يهتم بالآثار والأحجار. لكن تحرير تدمر من دون عشرات الآلاف من أهلها الذين هجروا ولم يعودوا إليها، خبر محزن لمن عاش معهم. كانت معضلة سايتو وزملائه هي إيجاد التوازن بين الرغبة في استعادة «معبد بعل» واستعادة أهل تدمر.

مذّاك، خاطب «مديرية الآثار والمتاحف» وطلب منها جمع الأحجار والدمار الموجود في أرض المعبد. كما أنه طلب كل المعلومات الموجودة لدى البعثات الألمانية والفرنسية عن المعبد ما قبل «داعش» وبعده وما بعد «التحرير» الروسي وما بعده.

يرفض سايتو الدخول في المعنى السياسي لاستعادة «داعش» عبر القوات الروسية. كما يتجنب الخوض في احتمال أن يكون بوتين يستخدم «معبد بعل» و «قوس النصر» لأسباب دعائية للقول أنه يحارب الإرهاب ويقاتل «داعش»، لكنه يقول أنه ينتظر اللحظة السياسية المناسبة كي يعيد «معبد بعل» إلى أهله ويعود إلى تدمر حيث أمضى عقدين.

ومحافظ نارا شيغو راي فخور بـ «العلاقة الخاصة» بين نارا وتدمر بسبب سايتو و «معبد بعل» وبين اليابان وسورية، حيث وضعت آثار سورية في متحف المدينة، وأعرب عن الأمل بأن يستفيد السوريون من «دروس اليابان، ويلجأوا إلى حل سلمي ويبدأوا بإعادة الإعمار».

الحياة

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist