يرى محللون ان افق نجاح محادثات السلام حول سوريا التي انطلقت في جنيف محدودة نظرا لتعقيدات النزاع المستمر منذ خمس سنوات في ظل تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية، وتواصل الخلاف حول مصير الرئيس السوري بشار الاسد.
وتبدو جولة المفاوضات الجديدة متعثرة قبل انطلاقها على ضوء الانقسامات الاخيرة بشان تمثيل المعارضة السورية في جنيف، واستياء ابرز تشكيلات المعارضة جراء الحصار الذي تفرضه قوات النظام على مناطق سورية عدة.
ويتوقع محللون ان تتسم الجولة الجديدة من المفاوضات بموقف اكثر تشددا من قبل الحكومة السورية على ضوء الاختراقات الميدانية التي حققتها مؤخرا بدعم من موسكو التي تنفذ حملة جوية مساندة لقوات النظام منذ اربعة اشهر.
اما الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن اجتماع اطياف واسعة من المعارضة السورية السياسية والعسكرية في الرياض، في ديسمبر/كانون الاول، فقد اعلنت الجمعة وبعد اربعة ايام من التردد قرارها بالتوجه الى جنيف “للمشاركة في محادثات مع الامم المتحدة وليس للتفاوض”، في مؤشر جديد على التحديات التي تواجه مفاوضات جنيف.
ويقول الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية كريم بيطار “تتوفر كافة الأسباب التي تدعو للتشاؤم وليس هناك اي سيناريو واقعي يتيح التوصل الى اختراق” في جنيف.
ويرى انه “لم يكن هناك تباعد بهذا الشكل من قبل بين عملية جنيف وما يحصل على الارض”.
وتشهد سوريا نزاعا بدأ بحركة احتجاج سلمية عام 2011 قبل ان يتحول الى حرب دامية متعددة الاطراف مع تصاعد نفوذ التنظيمات الجهادية. وتسببت الحرب بمقتل اكثر من 260 الف شخص وبتدمير هائل في البنى التحتية بالإضافة الى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
وضاعفت القوى الدولية في الاشهر الاخيرة جهودها الدبلوماسية لإطلاق عملية سلام بهدف وضع حد للنزاع السوري، تحت ضغط عوامل عدة ابرزها تصاعد قوة تنظيم الدولة الاسلامية وتوسيع نطاق عملياته ليستهدف دولا غربية بالإضافة الى الاعباء المترتبة على تدفق اللاجئين الى اوروبا.
وتعلق الدول الكبرى امالها على قرار الامم المتحدة الصادر في 18 كانون الاول/ديسمبر والذي نص على خارطة طريق تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وعلى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة اشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا، من دون ان يشير الى مصير الرئيس السوري.
الخلاف حول مصير الأسد
ويرى محللون ان الاجواء السياسية المحيطة بمحادثات جنيف الجديدة معقدة اكثر من آخر جلسة مفاوضات عقدت العام 2014 والمعروفة بجنيف 2، خصوصا ان قوات النظام تمكنت في الاسابيع الاخيرة من التقدم ميدانيا على جبهات عدة في البلاد، بفضل الدعم الجوي الروسي.
وتقول الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط المقيمة في فرنسا انياس لوفالوا ان الاطار العام حاليا “اصبح اقل ملاءمة للمعارضة مقارنة مع النظام الذي استعاد السيطرة على مواقع” عدة في البلاد.
وتضيف “المعارضة مستاءة جدا لتقلص قدرتها على المناورة (…) والاسد يشعر بالقوة اكثر فأكثر ولن يبدي مرونة” في جنيف.
ويؤكد الباحث في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الاوسط يزيد الصايغ “سيشعر النظام السوري وروسيا انهما يسحقان المعارضة ببطء، وبان الاتجاه العام في المستقبل لن يكون معاكسا لهما”.
في الوقت ذاته، تخلت القوى الغربية عن اصرارها السابق على وجوب تنحي الاسد عن السلطة خشية من حدوث فراغ في السلطة قد يستفيد منه تنظيم الدولة الاسلامية ويدفع مزيدا من اللاجئين الى اوروبا.
ويوضح بيطار ان هذه الخشية تعني ان “الانظمة القومية الاستبدادية عادت الى الواجهة”.
ولطالما اصرت المعارضة وعلى رأسها الائتلاف السوري على مطلب رحيل الاسد قبل بدء اي مرحلة انتقالية، لكن داعميها من الدول الغربية بدأوا بالتراجع عن هذا الموقف، باعتبار انه قد يشكل حجر عثرة امام محادثات جنيف.
ولم يتطرق قرار مجلس الامن الدولي الى مصير الرئيس السوري.
وبحسب صايغ فإنه “من الواضح للولايات المتحدة وحتى السعوديين” ان رحيل الاسد لا يمكن وضعه “كشرط مسبق” للتفاوض.
ويضيف “يكمن السؤال الحقيقي في ما اذا استبدلت القوى المعنية رحيل الاسد بتشكيل مجلس انتقالي يعتمد على آلية تضمن عدم قدرة الاسد على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة”.
معارضة تحت الضغط
واصطدمت المباحثات قبل انطلاقها بخلاف حاد حول تمثيل المعارضة السورية، ما دفع الامم المتحدة الى تأجيل انطلاقها لاربعة ايام.
ومع اعلان الهيئة موافقتها الجمعة على المشاركة في “محادثات” وليس “التفاوض” في جنيف، تبدو افق نجاح هذه المفاوضات اكثر تعقيدا.
وقالت الهيئة انها قررت “المشاركة في عملية سياسية لاختبار جدية الطرف الأخر من خلال المباحثات مع فريق الأمم المتحدة لتنفيذ الالتزامات الدولية والمطالب الإنسانية كمقدمة للعملية التفاوضية”.
وترددت الهيئة في حسم قرارها بسبب مطالبتها الامم المتحدة بتطبيق القرار الدولي (2015) الذي نص على رفع الحصار وايصال مساعدات انسانية وحماية المدنيين من القصف، وذلك قبل الدخول في اي عملية تفاوضية.
ويقول صايغ في هذا السياق “من دون تفاهم روسي اميركي تبقى اي محادثات رسمية من دون اي معنى”.
وفي ما يبدو محاولة للتوصل الى تفاهم مماثل، يمكن ادراج الحراك الدبلوماسي الاخير لوزير الخارجية الاميركية جون كيري قبل انطلاق المحادثات ومحاولته تقليص الفجوة القائمة بين داعمي النظام السوري ومعارضيه.
ويقول الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية اميل حكيم “ما نشهده اليوم من متغيرات على الارض لا يشكل عاملا مساعدا للمفاوضات”، مقارنة مع جنيف 2.
ويخلص الى القول “على رغم الطاقة المحيطة بالمفاوضات والنوايا الايجابية، الا ان الشروط غير متوفرة” للنجاح.
ميدل ايست أونلاين