يظهر التاريخ آثاره من خلال تجسيده في المباني، سواء مساجد أو قصور أو متاحف أو كنائس أو حتى قلاع، لكن للطبيعة أيضا تاريخ عريق، يتمثل داخل جذورها وعروقها وأوراقها وفروعها، كما هو الحال في الشجرة العملاقة المشهورة التي باتت رمزاً لجبل شحشبو.
“أم داوود” شجرة عملاقة تجاوز عمرها 1500عام ويبلغ طولها مايقارب ال10أمتار بعرض مترين أو أكثر, تقع تلك الشجرة في أعلى قمة بجبل شحشبو وتتوسط الجبل يحدها من الشرق قرية “الصهرية” ومن الغرب منطقة الغاب ومن الجنوب مدينة أفاميا الأثرية وقلعة المضيق ومن الشمال جبل الزاوية .
وتطل على ريف حماة الشمالي والغربي وعلى جزء من ريف إدلب الجنوبي, و تطل أيضا على جزء كبيرمن سهل الغاب وجبل اللاذقية. حيث أنها تتوسط بين محافظتي إدلب وحماة, تبعد عن مركز مدينة حماة مايقارب ال48كم وعن مركز مدينة إدلب كذلك.
يظهر في هذه الشجرة عبق الطبيعة، وتاريخ قديم، تحمله جذورها المغروسة منذ مايقارب 1500عام في أعماق الأرض .
يقول أحمد حسينو أحد أبناء جبل شحشبو “بالنسبة لتسمية الشجرة “بأم داوود ” تعود لقبر امرأة مدفونة بجانبها تحمل هذا الاسم وأن الشجرة تنتمي لأشجار البلوط التي كانت تكثر في جبل شحشبو قديماً ويرجح أن تكون نبتت بشكل طبيعي لكن استفاد منها سكان أفاميا كمرصد ”
وأشار حسينو أنها مرصد من عدة مراصد تقع على طريق الحرير الواصل بين مملكة أفاميا وأنطاكية في الشمال وترصد بين مملكة أفامية ومدافن حورته إلى الشمال منها. هي سلسلة من عدة نقاط لرصد هذا الطريق إذا وقفت بجانبها تتمكن من رؤية شجرة تقابلها في “أم نير” شمالاً وهكذا كانت مراصد لتأمين الطريق وصولاً لأنطاكية في الشمال.
وقد روى السكان المحليون في القرى المحيطة بها الكثير من الأساطير والأقاويل حولها على أنها شجرة مباركة ومن يقطع منها غصناً يتعرض للخطر وأقاويل كثيرة.
وأكد حسينو قائلا “أنا كشخص أعتبرها جزءاً من ذاكرتي التي تربيت وهي أمام عيني ورافقتني وهي شامخة في كل فترات حياتي ليس أنا فقط بل كل سكان جبل شحشبو لديهم ذكريات مع الشجرة لأنها رافقتهم ورافقت أباءهم و أجدادهم من قبلهم.
وقال أبوأحمد رجل في 80 من عمره “تلك الشجرة رافقتني طيلة حياتي ولها قيمة كبيرة عندي” وأوضح أبوأحمد قائلا “كان يتحدث لي أبي وأجدادي دائماً عن ذكرياتهم مع الشجرة وقِدمها حتى كانوا يقصون علينا القصص التي حدثهم عنها أجدادهم .
يتجه إليها الكثير من الزوار والعائلات والرحلات المدرسية، للاستمتاع بالجلوس تحت ظلها الواسع، ولما توفره من إطلالة رائعة ، وهواء نقي يريح الزائرين، ويحلو السهر في مساء صيفي جميل تحت غصون هذه الشجرة، وحتى الكثير من الناس يأتون إليها، لأخذ أجمل الصور التذكارية بجانبها.
أصدقاء الشجرة والذين كبروا تحت أغصانها هم رعاة الغنم الذين لهم قصص وذكريات وحكايات وفي كل حكاية يستشهدون بها بأنهم كانوا يتجمعون تحتها ويعزفون على الناي الذي يصنعونه بأنفسهم ألحانا تبقى في ذاكرتهم وكانوا ينحتون أسماءهم وتاريخ الكتابة على جذعها الضخم ليعودوا إليها بعد أن كبروا وابتعدوا عنها ويتذكروا مع بعضهم, هنا كنا نلعب وهنا كنا نضحك ونحلم بمستقبلنا القادم.