تشهد دمشق منذ أيام استنفاراً أمنياً غير مسبوق مع إحياء الميليشيات الشيعية والدفاع الوطني التابع للنظام السوري “ذكرى عاشوراء”. فيوم أمس تم تبليغ سكان أحياء باب توما المسيحي والعمارة والأمين والشاغور ومحيط الجامع الأموي في دمشق القديمة بحظر حركة السير مدة 24 ساعة لإحياء الأيام الأخيرة من طقوس عاشوراء. والملاحظ هذا العام أن الاحتفالات بيوم عاشوراء باتت ظاهرة جديدة على مدينة دمشق من حيث اتساعها، حيث كانت سابقاً تنحصر في أحياء الأمين وعند مقام “السيدة رقية” و”السيدة زينب” فيما انتقلت هذا العام إلى مناطق جديدة واتسعت لتسمع اللطميات في عدة أحياء من العاصمة.
شبكة “صوت العاصمة”، أفادت بأن الميليشيات الشيعية نصبت حواجز مؤقتة لتفتيش المشاة في أحياء دمشق القديمة، مع إغلاق بعض الطرقات أمام حركة السيارات، خاصة في الحارات التي تم نصب خيام العزاء فيها. إلى جانب ذلك، شهد حي زين العابدين ذو الغالبية الشيعية على سفح جبل قاسيون استنفارا مماثلا مع إغلاق للطرق المؤدية إلى الحي بهدف تأمين المنطقة.
قبل ثلاثة أسابيع، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يوثق مراسم “لطميات” قام بها الشيعة بالقرب من مقام السيدة رقية في دمشق القديمة، فيما انتشر أمس – ذكرى عاشوراء – فيديو آخر لخيام تعزية و”لطميات” وسط أصوات الرادود التي قرعت طبول آذان سكان دمشق القديمة.
أما الصورة التي لاقت رواجا على مواقع التواصل فهي تظهر شخصية “المهدي” على أنه وصل إلى دمشق لتجسيد مشهد مسرحي من المسرحيات التي تعرض في مناسبة يوم العاشر من محرم التي يتم إحياؤها بعد يومين في المناطق الشيعية، الأمر الذي دفع الكثير من الدمشقيين إلى الاستغراب والتساؤل: هل هكذا باتت دمشق؟
الواقع تغير في ساحة دمشق منذ عام 2012، من حيث تحولها إلى الأسود والأخضر وانتشار الأعلام التي تحمل عبارات لم يشاهدها المواطن السوري سابقاً إلا على شاشات التلفزة في قم وكربلاء والنجف، في مثل هذه الأيام منذ تدخل إيران في سوريا وانتشار ميليشيات لبنانية وعراقية شيعية فيها، يتم تغطية جميع جدران المنازل بمحيط مقام السيدة رقية في دمشق القديمة بأقمشة سوداء كبيرة تعبيراً عن حزنهم في هذه المناسبة.
لا توجد إحصائيات دقيقة لنسبة النمو السكاني للشيعة في سوريا لكن حسب تقرير الحرية الدينية في العالم لعام 2010، والذي يصدر عن وزارة الخارجية الأميركية فإن الأقلية العلوية والإسماعيلية والإمامية الاثني عشرية كانت تشكل ما نسبته 10 في المائة من عدد سكان سوريا الذي يبلغ 22 مليون نسمة.
موقع “جنوبية” اللبناني كشف عن أن إيران، إضافة إلى إنشائها غرف عمليات عسكرية في سوريا، أنشأت غرفا أخرى للتشيع، ونشرت مذهبها وسط السوريين، وجلبت عوائل شيعية من العراق ولبنان، وأسكنتهم في مناطق طُرد أهلها منها. ونقل الموقع، عن مصادر لم يسمها، أن إيران استطاعت تحجيم العلويين في سوريا، إلى درجة إبعاد حرس بشار الأسد الشخصي عنه، واستبدلت بهم حراسا إيرانيين.
وخلص الموقع إلى أن “العلويين دخلوا مع بشار الأسد معركة الحياة أو الموت، للدفاع عن مكانتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي فازوا بها منذ أيام حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، لكن العلويين ربحوا بقاءهم، وبدأوا بخسارة مكانتهم السياسية في العاصمة دمشق”.
وتابع: “تمكنت إيران من حصد ثمار دعمها للنظام السوري عبر سلة قوانين، أبرزها قانون أصدره الرئيس الأسد العام الماضي، ودعا فيه وزارة الأوقاف إلى دعم المدارس الدينية الجعفرية”.
لعبة الأماكن المقدسة
الخوف من سقوط نظام بشار الأسد عام 2012، دفع ايران إلى زيادة عدد الميليشيات التي يحمل أفرادها جنسيات إيرانية وأفغانية وعراقية وباكستانية ولبنانية، إلى 18 ألف مقاتل، حاشدة بذلك ميليشيات شيعية من مجتمعات في دول مختلفة تخضع لتأثيرها، وعززت وجود الميليشيات بفرقٍ من قوات الحرس الثوري والقوات الخاصة، في سوريا بهدف إعادة التوازن للحرب السورية أولاً، ومن ثم ترجيح الكفة لصالح النظام.
ولأن دمشق تحتضن أضرحة السيدة زينب، والسيدة سكينة وأماكن أخرى تعدّ مقدسة بالنسبة لمنتسبي المذهب الشيعي لعبت سياسة طهران التحريضية حيال وجوب حماية الأماكن المقدسة بالنسبة للشيعة في سوريا، دوراً كبيراً في جمع الميليشيات الشيعية وإرسالها إلى سوريا. قبل فترة قصيرة من الزمن شاهد السوريون رئيس حركة النجباء العراقية وهي ميليشيات عراقية شيعية يتجول في ريف حلب، فيما أظهر مقطع فيديو نشرته المعارضة السورية المسلحة أسرى من الحركة نفسها وقعوا خلال معارك في حلب الشرقية.
إضافة إلى ذلك، صدرت عدة فتاوى عن المراجع الشيعية، بهدف التشجيع على القتال في سوريا، بحجة الدفاع عن المقامات الشيعية، وتعالت صيحات رجال الدين الشيعة عن الحديث من المنبر وغيره عن أهمية الدفاع عن الأضرحة الشيعية المقدسة في سوريا والعراق.
يقول رجل دين إيراني يدعى “محمد أمين كريمان” في خطبة دينية “إن الأعداء لا يرحمون في مقام السيدة زينب بسوريا، وإن السيدة زينب في خطر، فكيف يتم منعنا من الذهاب إلى سوريا؟ لا ننسى أن البعض منع أصحاب الحسين من الالتحاق بجيش الحسين في يوم عاشوراء”.
بالأرقام، ارتفع عدد الأضرحة والمزارات الدينية في إيران خلال 30 عاماً لسبعة أضعاف متجاوزاً العدد 8000 مزار، وسط تحذيرات لمراجع شيعية إيرانية من بناء أضرحة لا وجود لها. ولم يقتصر بناء المزارات الوهمية على إيران فقط، فامتد إلى العراق وسوريا. وتكشف الإحصائيات عن وجود 500 حوزة علمية وحسينية في سوريا تتوزع على المدن السورية يدرس بها الآلاف من رجال الدين الإيرانيين.
ففي بلدة داريا المتاخمة لمدينة دمشق والتي أفرغت من سكانها مؤخراً، زعم خبراء إيرانيون خلال رحلة بحثهم عن مقامات أئمة آل البيت، أنهم اكتشفوا قبر السيدة سكينة بنت الحُسين، فاشتروا أرضه، والأرض من حوله، وأقاموا حُسينية ضخمة، في داريا المعروفة بأنها لا تضمن عائلة شيعية واحدة، وذلك عام 2003.
وقبلها سيطر الإيرانيون على ما يُعتقد أنه مرقد السيدة رقيّة بنت الحسين، والواقع في دمشق القديمة، ويُشكك سوريون، فيه، مُؤكدين على أنه قبر لفتاة عادية، تُسمى رقية، دفنها والدها قرب الجامع الأموي لحبه لها.
العربية نت