في كل لقاء تلفزيوني تجريه معه إحدى وسائل الإعلام الأجنبية يتحدث بشار الأسد عن عالم افتراضي لا يعرفه أحد سواه، وهو يمتلك قدرة فائقة على إنكار أي شيء، وعلى الاعتراف بأي شيء في الوقت نفسه، وهو لا يمانع من الاستطراد في الشرح والتفصيل، موهما نفسه بأن العالم الذي سيطّلع على تصريحاته سيصدق كلمة واحدة ممّا يقوله، وكأن العالم بعين واحدة تشبه عين بعض مؤيديه الذين صدقوا في يوم من الأيام أن أهالي حي الميدان الدمشقي خرجوا رافعين أكفهم للأعلى ليشكروا السماء على نعمة المطر، وإن كانت حزمة أكاذيب المقاومة والممانعة واستعادة الجولان المحتل الذي أضيف إليه منذ أربع سنوات لواء اسكندرون الذي كان قد حذف بقرار رسمي من المناهج الرسمية، إثر اتفاقية أضنة التي وقعها والده حافظ الأسد مع القيادة التركية آنذاك، إن كانت هذه الحزمة هي حزمة جاهزة للاستهلاك المحلي، فإن حزمة محاربة الإرهاب وبناء الدولة العلمانية هي المخصصة دائما للتصدير الخارجي ولمخاطبة الرأي العام العالمي، لكن سيادته وهو في حمى غيابه الكلي عن الواقع كما قال أحد الصحفيين الأجانب الذي أجرى معه لقاء تلفزيونيا، يظن أن الرأي العام العالمي قد يصدق حكاياته، أو أن المسؤولين في تلك الدول ينتظرون تصريحاته ليحددوا مواقفهم التي حسموها منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة الشعبية.
وإن كانت الدول الغربية ما زالت لم تحسم أمرها في موضوع إسقاطه، لأسباب كثيرة، أهمها عدم وجود معارضة قادرة على تولي الملفات التي يتولاها، إلا أن ذلك لا يعني أنها قد تقبل إعادة إنتاجه وكأن شيئا لم يكن.
الأسد خلال لقاء أجرته معه مؤخرا القناة الثانية للتلفزيون الحكومي الفرنسي أنكر كليا، أن تكون قواته تستخدم البراميل المتفجرة في قصف المدن السورية، ورغم تأكيد محاوره أن الصورتين اللتين عرضهما عليه هما في حلب وحماه، إلا أنه التف على الموضوع وقال إن قواته تستخدم القنابل والصواريخ وهي ليست بحاجة إلى استخدام هذه البراميل التي قد تخطئ أهدافها، وهو يتهم من يسمّيهم بالعصابات الإرهابية بإحداث هذا التدمير الكبير الذي ضرب سوريا والذي قضى على مناطق سكنية كاملة، وأزهق أرواح قرابة نصف مليون سوري، لكنه في المقابل لا ينكر أن قواته هي التي تمتلك الطائرات الحربية والمروحيات، وإن كانت الصور التي تنقل بشكل مباشر أحيانا آثار القصف الذي يضرب سوريا لا تقنعه فمن المؤكد أن لعبة الكذب تستهويه، حتى بات يصدق هو نفسه أكاذيبه لكثرة ما يكررها.
فهو ينفي، وبشكل قطعي، وجود أي عسكري إيراني يقاتل إلى جانب قواته، ويعود ليحكي حكاية عن أولئك الخبراء الذين يقدمون النصائح والاستشارات، مع أن قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني كان بالأمس يتقدم مقاتليه على جبهة درعا جنوب دمشق، ومع أنه لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تشهد واحدة من المدن الإيرانية تشييع عدد من المقاتلين الإيرانيين الذين قتلوا أثناء تنفيذهم “واجبهم الجهادي” في سوريا.
ولأنه لا يمتلك على ما يبدو أي تصوّر لما سيفعله، أو لما يمكن أن يقوم به، بل إنه عاجز عن تقديم رؤية واضحة للحل، فإن استمرار هذا الصراع الدموي يشكل بالنسبة إليه فرصة ذهبية لا للاستمرار على سدة الحكم فحسب، بل لإنتاج أكاذيب جديدة تتناسب مع كل مرحلة، فهو يكرر أنه ليس متمسكا بالسلطة، ولو علم بأن تخليه عن السلطة سينقذ سوريا، فسيفعل ذلك على الفور، مع أن الكتابات على جدران المدن التي تدخلها قواته المسلحة وتقوم بتدميرها، تؤكد حقيقة واحدة يؤمن بها جيشه العقائدي الذي لا ينفك عن التفاخر به وهي “الأسد أو نحرق البلد”.
العربثائر الزعزوع