إذا كان رأس النظام قد ربط بين إحلال السلام في “بلده” وبين توقـف دول العـالم عن دعـم من وصفهـم بالإرهـابيين، فـإن الكـلام نفسه يصح في حالته، إذ لا بدّ من إيقاف الوصايتين الروسية والإيرانية عليه حتى يتمكن الشعب السوري من تقرير مصيره.
حضرت سوريا وبقوة في جميع الخطابات والكلمات التي ألقيت مؤخرا خلال الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد اجتهد البعض من المتحدثين في تحديد أسباب الحالة ومآلاتها، وبذلوا جهودا للتغلب على أقرانهم في مقاربة الوضع، وفي إثبات معرفتهم بتعقيداته وسرده التاريخي المأساوي.
لكن رؤاهم جميعا صبت في خانة ضرورة إيقاف الحرب المستمرة وإيجاد حل سياسي يجنب السوريين المزيد من القتل والدمار والتشرد. وإن كان عدد من المتحدثين قد أشار إلى العلة الرئيسية، وهي استمرار بشار الأسد على رأس السلطة، والميليشيات الطائفية التي فتحت الوضع على احتمالات خراب أكثر تعقيدا.
إلا أن شكل الحل “السحري” الذي أشاروا إليه ظل غامضا بالنسبة إلى المواطن السوري الذي اعتاد خلال ما يقارب ست سنوات الاستماع إلى مختلف أنواع الوعود والمشاريع لكنه لم ير أيّا منها يتحقق على أرض الواقع.
لم يعد يطمع هذا المواطن في إيقاف آلة القتل بشكل كلي والانتقال إلى وضع جديد يكون أكثـر سلاما، لكن على الأقـل فـرض هدنة حقيقية لمدة شهر، لا تكون شبيهة بالهدنة التي توصلت إليها واشنطن وموسكو مؤخرا، اللتين تسابقتا في طرق اختراقها.
فيما يعتبـر النظـام في كـل الحالات الهدنة فرصة مناسبة له لـزيادة جـرعات القتل والتدمير دون رادع يردعه أو طرف يردّ عليه طالما أن ثمة داعما روسيا قويا يتولى مهمة الدفاع عنـه وتغطية كافة جرائمه، بالاتفاق مع الشـريك الآخر في صناعـة السلام السوري والمقصود هنا الولايات المتحدة.
وسيتبين مـع مرور الأيـام أن هـذه الأخيرة كانت ومنذ البداية طرفا إضافيا في زيادة المعاناة السورية سواء من خلال إفشالها الجهود العربية، والسعودية منها تحديدا، والتي كانت تسعى إلى الحد من النزيف السـوري، أو من خـلال العمل من وراء الكواليس على عرقلة مشروع قانون يفرض عقـوبات على نظـام دمشـق ويهدف إلى حماية المدنيين، وكـذلك ممارسة ضغوطات على قيادة الحزب الديمقراطي أدت إلى سحب مشروع القانون من مجلس النواب.
ولعل الطريف في الأمر أن رأس النظام نفسه انضمّ إلى قائمة المتحدثين الكثر الذين شخصوا الوضع السوري، وإن عبر لقاء أجرته معه وكالة أسوشيتيد برس العالمية وليس من خلال منبر الأمم المتحدة، مثل الآخرين، فقد حمّل العالم بأسره مسؤولية ما يحدث في “بلده”، مستثنيا نفسه وحليفه الروسي بطبيعة الحال، وربط كل ذلك بمؤامرة كونية تهدف إلى نشر الفوضى والخراب والإرهاب.
واستبعد هو الآخر إمكانية الوصول إلى حل في القريب العاجل، وترك الباب مفتوحا على مصراعيه لحروب ستمتدّ طويلا، يكون هو بمنـأى عن آثارها، لأنه يرتكز إلى “شعبه” الذي يدعمه ويقف إلى جانبه، كما قال، وإلا لما استطاع الصمود طيلة السنوات الماضية.
وعلى الرغم من السوداوية التي تشير، في أحسن الأحوال، إلى استمرار الـوضع على ما هـو عليه خلال الأشهـر القـادمة، وربما السنوات المقبلة، إلا أن بعض الذين تحدثوا وحاولوا مقاربة الوضع السوري تجاهلوا، عن عمد ربما، أن ما حدث في سوريا منذ البداية هو ثورة شعبية ضد الاستبداد والدكتاتورية وليست حربا أهلية، وأن الحلول المطروحة إنما تبحث عن سبل لإيقاف تلك الحرب، والوصول إلى اتفاقية سلام، من خلال مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، ستمتدّ طويلا قبل أن تسفر عن نتائج ترضي أحد “الطرفين” فالنظام لن يرحل بالتفاوض وهو يفضل خيار الحرب أكثر، وفي المقابل فإن الثورة لن تقبل العودة إلى حظيرة النظام، كما أعلن ممثلوها، في الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض، وشددوا على أن بشار الأسد أصبح شخصا من الماضي، ولا يمكن التفكير في المستقبل طالما هو موجود على كرسي الرئاسة.
وإذا كان رأس النظام قد ربط بين إحلال السلام في “بلده” وبين توقـف دول العـالم عن دعـم من وصفهـم بالإرهـابيين، فـإن الكـلام نفسه يصح في حالته، إذ لا بدّ من إيقاف الوصايتين الروسية والإيرانية عليه حتى يتمكن الشعب السوري من تقرير مصيره.
العرب ثائر الزعزوع