قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، إن موسكو “تأمل أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية الى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية”. ولم تشر الأنباء إلى أي موقف “رسمي” من نظام الأسد، على تلك الدعوة التي تشكّل خرقاً للدستور السوري الحالي، وكذلك تتناقض مع حكم البعثيين لسوريا أكثر من نصف قرن. خصوصا أن حزب “البعث العربي الاشتراكي” يقوم في جوهره، ليس فقط على وحدة الأرض السورية عبر قيام سلطة مركزية، أساسها الحكم المركزي في العاصمة الذي يفرض سلطته الطبيعية الى بقية محافظات البلاد، بل تقوم ايديولوجية “البعث” على شعار شهير وهو “الوحدة العربية” من المحيط الى الخليج.
وسبق أن ذكرت أنباء في الشهر الماضي، حول قيام نظام الأسد، بالطلب الى ما يعرف بـ”القيادة القومية” لحزب البعث، بتسليم ممتلكاته وما يتبع اليها من عقارات ومكاتب، الى جهة مختصة لدى قيادة “البعث” القُطرية، أي في فرع البعث في “القطر السوري”.
وذكرت الأنباء أن النظام في صدد إنهاء وجود القيادة القومية، والتي تقوم أصلا على فكرة الوحدة التنظيمية للبعث في العالم العربي، على أساس من جوهر شعار الحزب نفسه الداعي الى الوحدة العربية.
وقالت الأنباء إن نظام الأسد لجأ الى التمهيد لحل “القيادة القومية” لحزب البعث، نظراً الى “ضعف دورها وغياب فاعليتها”.
ويأتي تصريح نائب وزير الخارجية الروسي الداعي الى “فيدرالية” سورية، في الوقت الذي تعلن فيه قيادات كردية متحالفة مع نظام الأسد، عن أهداف سياسية تعمل على تحقيقها، ومنها تأمين نوع من اللامركزية أو الحكم الفيدرالي، بصفة خاصة في الآونة الأخيرة، بعد الدعم الروسي لعمليات الأكراد العسكرية على الحدود السورية التركية.
ويشار في هذا السياق أن رئيس النظام السوري لا يزال يحمل صفة “الأمين العام” و”الرفيق المناضل” وغيرها من ألقاب تعني ارتباطه الجوهري بحزب البعث، والذي لا يزال الى الآن يشير اليه بصفته الايديولوجية تلك.
النظام الفيدرالي يعني شيئاً أساسياً في مفهوم السلطة، وهو انتفاء صفة الحكومة المركزية وحلول حكومات صغرى في أقاليم البلد الذي يعمل به هذا النوع من الأنظمة السياسية.
إلا أن الطرح الروسي بالفَدرَلَة، يتنافى أيضاً، مع السياسة الروسية المعلنة حيال الجمهورية السورية.
فكل التصريحات الرسمية التي تأتي على لسان بوتين أو وزير خارجيته، تعلن أن الهدف هو “وحدة سوريا” فيما يأتي طرح الفدرلة الأخير، متناقضاً مع الموقف الرسمي الروسي، والذي أشار اليه أيضا نائب وزير الخارجية الروسي لدى طرحه لفكرة الفدرلة بإشارته عن “وحدة الأراضي السورية”. (“العربية.نت” 1 مارس 2016).
وجاء في جريدة “الشرق الأوسط” في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، أن حديث نائب وزير الخارجية الروسي عن الفيدرالية في سوريا “أثار علامات استفهام كبيرة في أوساط المراقبين الذين رأى البعض فيه تلميحات حول إمكانيات تقسيم سوريا في حال فشل وقف اطلاق النار” على حد ذكر الصحيفة التي أضافت أن هناك مراقبين آخرين يرون “أن روسيا ربما تسعى الى فرض بنية نظام حكم فيدرالي في سوريا”.
مراقبون سياسيون آخرون رأوا أن الحديث عن تغيير “جوهري” في النظام السياسي السوري، وعلى هذه الدرجة من الخطورة، ويعبَّر عنه من طريق دبلوماسي رفيع تنشر بلاده قواتها العسكرية الجوية في سوريا، هو بمثابة “تدخل” علني غير مقبول في مستقبل البلاد السياسي. خصوصا أن المعارضة السورية تمتلك في قياداتها نخباً أكاديمية عالية، فضلا عن امتلاكها لتوجه سياسي محدد وعلى أساسه حددت برنامجها للتغيير في سوريا منذ بدايات عام 2011 وقبل قيام الثورة على الأسد، بطبيعة الحال.
إلا أن مراقبين سياسيين عارفين بالشأن السياسي السوري والسياسة الروسية في المنطقة، يعتبرون أن طرح روسيا للفدرلة في سوريا هو في الأصل بالون اختبار أطلقته روسيا لتعرف رد فعل القوى السياسية السورية المعارضة، وكذلك فهو “طوق نجاة” للأسد، بمعنى من المعاني. خصوصا بعدما انحصرت شعبيته في إطار “ضيق للغاية” يكاد “لا يخرج عن بيئته الحاضنة” إلا بقدر ضئيل للغاية.
وحذر المراقبون من أن “تغامر” روسيا بمستقبل “سوريا السياسي” لمجرد محاولتها “إلقاء طوق نجاة للحاكم الذي خلعه شعبه سياسيا قبل أن يخلعه اجتماعيا وميدانياً”. وأن “حرق غابة” من أجل “حماية شجرة” هو نوع “من التفكير العبثي الروسي” بمستقبل البلاد التي “فدرلتها” فقط كي يكون “للحاكم مفتقد الشرعية” الذي هو الأسد، أيّ وجود حتى ولو على رقعة صغيرة “من الأرض” التي لا تتجاوز عدد أفراد مؤيديه ومناصريه في بيئته الحاضنة، حصريا. كما ختم المراقبون السابقون.
العربية نت