استنكر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ممارسات السلطات الإسرائيلية القائمة على تهجير الفلسطينيين من أراضيهم في القدس العربية، بهدف تغيير طابع ووضع المدينة، وإجراء عمليات تغيير ديموغرافي فيها، متجاهلاً ومتناسياً السياسة التي اتبعها بدعم قواته وخططه في تبديل التركيبة السكانية في معظم المدن والبلدات السورية، متبعاً أساليب القتل والحصار والقصف بكل أنواع الأسلحة بما فيها الكيميائية المحرمة دولياً، لإكراه المناهضين له على الهروب وترك أراضيهم، فضلاً عن إجبارهم على الخروج إلى مناطق الشمال السوري وحرمان ما بقي منهم من حق العودة إلى بيته وأرضه، وهو ما برز أمس في قرار النظام السوري القاضي بمنع عودة أهالي حي جوبر شرق العاصمة دمشق، ومن بينهم عشرات العائلات الفلسطينية إلى منازلهم وممتلكاتهم.
وقالت مصادر محلية إن مجلس محافظة دمشق في السلطة السورية، يعدّ قراراً «غير مُعلن» يقضي بمنع عودة أهالي حي جوبر الدمشقي ومن بينهم عشرات العائلات الفلسطينية من العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم بشكل نهائي. ووفقاً لموقع «صوت العاصمة» المحلي الإخباري، فإن القرار اتُخذ بعد اكتشاف الأنفاق «الطابقية» التي أنشأتها فصائل المعارضة في المنطقة، أثناء المعارك التي دارت فيها قبل سنوات، والتي تلاها اتفاق التسوية القاضي بتهجير الفصائل ورافضي التسوية نحو الشمال السوري.
وبيّن المصدر أن عمليات البحث التي أجرتها القوات الروسية عبر أجهزة وخرائط وتقنيات حديثة صنّفت المنطقة «غير صالحة للسكن» حتى في حال تدمير الأنفاق أو ردمها، كونها أثّرت بشكل كبير على أساسات الأبنية السكنية.
وكان محافظ دمشق قدم وعوداً عدة لاقتراب فتح حي جوبر أمام عودة الأهالي دون تقديم أي مبررات عن سبب منع الأهالي من العودة، وعدم قيام حكومة النظام بتنظيف الحي والبدء بإعادة تأهيله.
بعد تهجير مئات آلاف السوريين والفلسطينيين من بيوتهم ومخيماتهم
ممارسات النظام السوري، وأساليب القمع الممنهجة، والتي تتخفى وراء الشعارات المزعومة حول «نصرة القضية الفلسطينية» باتت تثير العديد من التساؤلات إزاء هذه الازدواجية وموقف النظام الحقيقي من القضية الإنسانية والعربية، حيث استقبل رئيس النظام بشار الأسد أمس وفداً يضم عدداً من قادة وممثلي القوى والفصائل الفلسطينية، وتمحور الحديث حول آخر المستجدات في الأراضي الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الشعب الفلسطيني وممارسات الاحتلال الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم في القدس بهدف تغيير طابع ووضع المدينة. وأكدّ رأس النظام وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية خلال اللقاء أنّ الكيان الإسرائيلي لا يفهم لغة السلام ولا الحوار فوجوده في هذه المنطقة مبنيٌّ على إرهاب شعوبها والتعدي على حقوقها.
قرار النظام السوري أثار تكهنات وتساؤلات حول هذه الازدواجية في مواقفه، والتصعيد تجاه الأهالي لاسيما أن آخر عملية تهجير قد تمت قبل نحو 24 ساعة فقط من تصريحات الأسد، وذلك في ريف محافظة القنيطرة الأوسط جنوبي سوريا، حيث فرضت قواته بالقوة تهجير نحو 100 شخص بينهم نساء وأطفال.
مدير الشبكة الإنسانية لحقوق الانسان، فضل عبد الغني اعتبر أن قرار النظام بحرمان أهالي حي جوبر من العودة إلى منازلهم بحجة وجود أنفاق تابعة للفصائل، هو عقاب جماعي وقال إن هذا التبرير «يشبه تبرير الإسرائيليين، وهو نوع من العقاب الجماعي لأهالي الحي بالكامل ولاسيما أن معظمهم من المدنيين».
وأضاف لـ«القدس العربي» «كما هو في السابق أحرق مدناً كاملة، واستهدفها بحجة وجود مقاتلين، ليبرر هذه السياسية التي يقوم فيها، هو الآن يستكمل سياسته الإجرامية في منع أهالي حي جوبر من حقهم» ولفت إلى أنه «أمر مقصود من قبل النظام السوري لاسيما أنه لم يعلن القرار بشكل رسمي، أسوة بكثير من القرارات غير المعلنة أو حتى المعلنة منها والقوانين المعمول بها والتي تخالف أبسط مبادئ حقوق الانسان» وقال إن هذه القرارات «تخالف القانون الدولي لحقوق الانسان كونها عملية نهب للممتلكات وسطواً بطريقة تعسفية وجماعية».
وقدرت مصادر مطلعة أعداد اللاجئين الذين كانوا يقطنون في حي جوبر بحوالي عشرة آلاف فلسطيني، لجأ معظمهم من مناطق شمال فلسطين «صفد وطبريا والناصرة منطقة المجيدل وحيفا ويافا وأبناء عشائر الزنغرية والقديرية».
الباحث السياسي إبراهيم العلبي وصف سياسية النظام السوري بالنفاق، وأبدى المتحدث لـ«القدس العربي» اعتقاده بأن «منهجية النظام والنفاق الذي يمارسه النظام السوري والازدواجية في التعامل مع الأمور ليست جديدة عليه، فالمعيار الوحيد بالنسبة له للحكم على الأمور هو مصلحته الضيقة بعيداً عن مصالح أي أحد آخر سواء كان ذلك الآخر هو الشعب السوري نفسه أو الشعب الفلسطيني أو أي شعب في العالم».
واعتبر أنه لا أحد ينافس النظام على البطولة في التغيير الديمغرافي، وقال «من تتبع مجريات الأحداث في سوريا منذ انطلاق المظاهرات الأولى عام 2003 وسياساته الأمنية تجاه الأحياء والقرى يستنتج بسهولة أن النظام كان يخطط للتغيير الديمغرافي بصورة ممنهجة لأنه الحل الوحيد أمامه للبقاء في السلطة والتخلص من القنبلة السكانية التي لطالما كانت مصدر قلق بالنسبة له».
وأضاف العلبي «النظام السوري الآن هو في طور اتخاذ كل التدابير الممكنة لضمان إبقاء أكبر عدد ممكن من اللاجئين في الخارج لأن أعدادهم أصلاً أكبر من قدراته المستنزفة على السيطرة والتحكم ولنا في لبنان الطامح لإعادة السوريين في حين أن النظام هو الذي يرفض عودة أغلبية القوائم التي تقدمها السلطات اللبنانية له كمثال صارخ وواضح على ذلك ويختزل المشهد برمته».
تزامنا، انطلقت مسيرات شعبية في مخيمي النيرب بحلب والعائدين بحمص للاجئين الفلسطينيين، فرحاً بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأعلن المشاركون تضامنهم مع أهلهم في مدينة القدس، مستنكرين انتهاكات الاحتلال ضد أهالي حيّ الشيخ جراح، كما شارك الفلسطينيون في وقفة تضامنية مع القدس وغزة في ساحة عرنوس في دمشق.
وقالت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا إن «المخيمات الفلسطينية في سوريا وفي المهجر شهدت مسيرات واعتصامات، شارك فيها آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، تندد بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة وقطاع غزة وفي فلسطين عموماً».
الناشط الإعلامي رامي السيد قال إن عشرات الفلسطينيين والسوريين تظاهروا يوم الجمعة في مدينة اعزاز دعماً للأقصى والقضية الفلسطينية، معبرين عن تأييدهم لوقف العدوان على غزة.