هنا تضيق العبارات، لن ينصف المشهد أي كلمة، لم تبرع الأقلام مهما خطت بتسطير كل هذه المصائب، كل شيء أصبح يحتاج لمعجزة! ربما يقول البعض أن هذا لا بد له من بطل خارق، بطل تغنى به الغرب وصدّروه لنا فبتنا كالسكارى نرمي بكل همومنا عليه، في هذا العالم الساقط الذي ضيّع كل شيء سما، وقدّس كل المراوغات.
في سوريا لسنا بحاجة هؤلاء، بل نحن من لدينا قوة عظيمة سوف تنصرنا يومًا، نحن الذين لا نعوّل إلا على من لديه القوة الحقيقية، نحن لدينا ربٍّ منتقم سوف يعطينا حقًّا يومًا ما وهذا الحق الوحيد الذي نعرفه))!!
تتنافس الأدعية، تمتد الأيدي للتضرعات، هناك في الأسفل ثمة أنفاس لربما تكون الأخيرة.
ينادي الجموع والملايين الأبطال الخارقين في عصرنا للمساعدة، فأين أنت يا سوبرمان؟!
أين من تغنّى بمساعدة الأبرياء ومسح دموع الثكلى، أين صاحب الحُلّة الزرقاء و(الداخلي الأحمر) والعضلات المفتولة، الذي شنفوا آذاننا ببطولته!؟ أم أنك في إجازة.
هنا تتكشف السوءات، تتكشف النوايا وتتباين الطبقات الاجتماعية والمحسوبيات الدولية، فثمة شمال سوري ليس له راع ولا رئيس دولة لتتم تعزيته، وهناك بين الأنقاض يرقد المساكين، وليس الأتراك! ولا الأوربيين، ليس هناك من يتحدث اللغة التركية ولا الإنجليزية أو الأوكرانية، وليس لديه (أردوغان) ولا غيره، لتجامله الدول الأخرى فترسل الفرق والجمعيات، وتنتفض كل المؤسسات والمنظمات العالمية للنجدة.
إنك هنا في سوريا، سوريا المكلومة، سوريا التي ضاع مجدها بسبب حرب طاحنة، أتت عليها فأكلتها حتى النخاع، ودمرت بها كل مقدس، فلم يبق للإنسان قدسية، ولم يكن للإنسان مكانة منذ سنوات، فقد أصبح السوريون عدداً في مجرة التبانة، وصفره على الشمال، فأصبحت الشمال كعددها مهددة بالتهميش والإبعاد والإسقاط من حسابات كل ضمير عالمي، لقد ضيعت الإنسانية بوصلتها حتى أصبحت صرخات مئات الآلاف، صوت بط لا صدى له، حصيلة تزداد ودموع تتساقط على شوارع باردة، فتقع تحت الصفر بدرجات فهرنهايت، وتصير موطئًا لكل المهانات، فأين من يتغنّى بالسلم العالمي والمساواة؟ وأين من قال إن البشر كأسنان المشط؟ فقد بلغ الكذب مبلغه، وكل شيء (انكشف وبان)!
محافظات سوريا كلها تبكي، بل كلها أصبحت أثرًا بعد عين، بعد أن توالت عليها المصائب تترا، وجعلت عاليها سافلها، لا حجر ولا بشر، ولا كبير ولا صغير.
عندما تساوت الأقدار عند الله العدل العظيم، أبى البشر أن يساووا في هذه الأرض، فانطلق الجميع لنصرة الضعيف المشهور، ولم يتبق للفقير المغمور سوى العويل، أيامى وثكالى ومكلومين هذا هو مشهد سوريا اليوم والأمس وغد وبعده.
فمن لهؤلاء، من في هذه الأرض من قال فصدق، ووع يخلف، من لنا جميعا سوى رب كريم عظيم، سوف يأتي بكل ه على رؤوس الأشهاد، ليقفوا جميعًا سواء، ليقفوا وتشهد أ وأرجلهم على ظلم لم يشهده أي عصر، منذ عشرات الدقائق…والكثير من الساعات سوف تأتي دون جدوى، والمناشدات تنادي أيا بشرا فلتسمعوا ولكن (قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تناديا)!!.