أكد سياسيون ومواطنون أن الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت؛ تعيش أكثر من أي وقت مضى، وضعا أمنيا واقتصاديا صعبا، محذرين من تداعيات هذا الوضع على النواحي كافة.
ويسيطر حزب الله على المنطقة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وحتى اجتماعيا، وتعد الخزان الأول له من الناحية الشعبية، حيث تكتظ بآلاف العائلات الشيعية المنحدرة من قرى الجنوب أو البقاع اللبناني، والتي آثرت الاقتراب من بيروت في فترات متلاحقة بحثا عن فرص العمل التي لا تتوفر عادة في قراها.
وتخضع الضاحية بأغلبية مساحتها لحزب الله، الذي يسيطر فيها أمنيا، ويحجب قسما منها تماما عن أعين الدولة وأجهزتها، بل قد يصل الأمر أحيانا إلى معاقبة رجال الأمن اللبناني في حال مخالفتهم قانون حزب الله وأمنه، بحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام اللبنانية.
وتخضع منطقة الشياح في الضاحية لنفوذ حركة أمل، مع حضور قوي أيضا لحزب الله شعبيا وخدماتيا.
وفي تصريحات خاصة لـ”عربي21” اعتبر الناشط السياسي الشيعي علي مهنا، أن ما “يتخذ من إجراءات يعكس الواقع الأمني المتأزم”، لكنه اعتبر أن “هناك مبالغة في كثير من التدابير الأمنية التي ترهق أهالي الضاحية، وتكبّل حياتهم، وتؤثر سلبا على اقتصاديات المواطنين والتجار” على حد قوله.
الأهالي يتفهمون الوضع
وكشف عن أن “استراتيجية المراقبة عن بُعد أسهمت في التخفيف من حدة الإجراءات الأمنية الظاهرة التي تعيق الحياة العامة في الضاحية”، مضيفا أن أهالي الضاحية، وهم المنتمون في سوادهم الأعظم إلى بيئة حزب الله “يتفهمون الوضع الأمني وما يتخذ من إجراءات في هذا المجال، لضمان عدم حدوث أعمال إرهابية”، بحسب تعبيره.
ودافع مهنا عن الجدران والسواتر التي باتت منتشرة على تخوم الضاحية، معتبرا أنها “للحفاظ على الأمن، ولكونها تحصن مراكز حساسة من هجمات متوقعة بالسيارات المتفجرة أو الهجمات الانتحارية”.
وحول الانتقادات التي تطال الضاحية لجهة انسلاخها أمنيا عن الدولة اللبنانية؛ أكد مهنا أن “هذه الاتهامات مبالغ فيها، فالضاحية ليست جمهورية مستقلة بذاتها، بل هي جزء ينتمي إلى لبنان ودولته”.
وأكد مهنا أن “التوجسات حاضرة تجاه الضاحية؛ بفعل ما تعانيه من تهديدات أمنية، لا لكونها منسلخة عن ارتباطها بالوطن اللبناني” وفق قوله.
وعن التوصيفات التي تطلق على الضاحية بأنها جزيرة داخل دولة؛ قال مهنا: “طالما أنه يوجد فيها مقار أمنية للدولة، فهي بالتأكيد جزء من الوطن اللبناني، وإن كان لها خصوصية على الصعيد الأمني”.
وكانت قوى 14 آذار، ومن بينها تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، استنكرت مرات عدة إجراءات حزب الله في الضاحية، واتهمته بأنه “يسعى للاستقلال أمنيا، ويتصرف وكأن القوى الأمنية التابعة للدولة اللبنانية تحت تصرفه” وفق تصريحات متطابقة.
وجود رمزي للدولة
وقال عضو قوى 14 آذار، رئيس حزب الوطنيين الأحرار، دوري شمعون، إن “سيطرة حزب الله على المفاصل العامة في الضاحية الجنوبية؛ بات أمرا طبيعيا بحكم الأمر الواقع، في حين أن وجود الدولة فيها اللبنانية يعد رمزيا، في ظل سيطرة الحزب الأمنية على المنطقة، وتحويلها إلى قاعدة له، محجوبة بشكل كبير عن أجهزة الدولة”.
وانتقد شمعون في حديثه لـ”عربي21” خيارات حزب الله، معتبرا أنهم “يحملون الهوية اللبنانية، لكنهم يخوضون حروبا انفرادية خارج الحدود، من دون الحصول على تفويض من باقي اللبنانيين، ما يدلل على أنهم مستقلون عن الإطار الرسمي اللبناني بشكل واضح”.
وعن دور العهد الجديد في إعادة الهيبة للدولة؛ قال شمعون: “لا أتوقع أن يتمكن الرئيس عون ولا حكومته الجديدة من فرض أي تغيير، فالأمر مرتبط بنتاج وحصاد الأوضاع في سوريا”.
وتابع: “هناك مخطط إيراني يشارك فيه حزب الله؛ يعرف بالهلال الشيعي الذي يحاول فرض معادلته على دول المنطقة، بما فيها سوريا ولبنان”.
وعن الحلول الممكنة وفق مصطلح يتم تداوله، وهو إعادة حزب الله إلى كنف الدولة، رأى شمعون أن “الأمر مرتبط بإرادة حزب الله، الذي يحمل مشروعا خاصا يخالفه فيه أغلب اللبنانيين، وبالتالي فإن على قيادة الحزب الانتظام تحت سقف القانون اللبناني، على اعتبار أنه مكون له تمثيله في البرلمان ومؤسسات الدولة”.
وبحسب مراقبين؛ تشهد الضاحية الجنوبية منذ إعلان حزب الله بشكل صريح المشاركة في القتال مع النظام السوري ضد المعارضة منذ عام 2014؛ تراجعا اقتصاديا كبيرا، بفعل النزوح منها والتدابير الأمنية التي اتخذت فيها، عدا عن سلسلة تفجيرات ضربت المنطقة، وتبنت بعضها مجموعات إسلامية تشارك في المعارك ضد النظام السوري.
وظهرت أولى الهجمات ضد الضاحية في 26 أيار/ مايو 2014، حين أطلقت صواريخ باتجاهها، أعقبها سلسلة تفجيرات راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
ويقوم حزب الله بالإشراف المطلق على الوضع الأمني، ويوجه الشرطة التابعة لاتحاد بلديات الضاحية أمنيا ولوجستيا، في وقت تنصب فيه الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية حواجز على المداخل.
وضع لا يُحتمل
واعتبر (ح. ص) وهو صاحب مقهى في الضاحية، أن “الوضع الاقتصادي بات لا يحتمل بالنسبة للتجار كافة، بعد حالة الحصار التي فرضت على الضاحية، الأمر الذي أدى إلى ركود وانحسار كبيرين”.
وقال لـ”عربي21” مفضلا عدم ذكر اسمه الصريح: “كثير من أهالي الضاحية باتوا يقصدون منذ سنوات المحال التجارية والمطاعم البعيدة، بفعل الوضع الأمني والمخاوف التي تحيط بهم”.
ولفت إلى أن “أسعار العقارات انخفضت بشكل ملحوظ، وإن استعادت في الفترة الأخيرة بعض النقاط”، معللا ذلك بعدم رغبة شريحة واسعة من الناس في السكن بمنطقة وصمت بالاضطراب الأمني، وصعوبة التنقل ومنها وإليها، وحتى داخلها، عدا عن الاضطرابات الأمنية، ومنها الاشتباكات العائلية التي تستخدم فيها أسلحة ثقيلة لأفراد بعضهم ينتمي إلى حزب الله” على حد قوله.
وكانت اشتباكات عائلية عنيفة اندلعت الجمعة في حي السلم، استعملت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية قرب مدارس الصادق، وسرعان ما امتدت إلى منطقة الليلكي، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني بتنسيق مع حزب الله، ويسيطر على الأوضاع، ليعقب ذلك حملة مداهمات واعتقالات، بحسب شهود عيان.
ولطالما تعرضت الضاحية بأهلها واقتصادها وعبر التاريخ اللبناني الحديث؛ لهزات أمنية، بعضها مرتبط بالصراع مع الكيان الإسرائيلي والحروب التي عصفت بلبنان، والبعض الآخر بفعل الحرب الأهلية والصراع الشيعي – الشيعي القديم، في عام 1988 ولغاية عام 1991، بين عدوي الأمس، حليفي اليوم، حركتي أمل وحزب الله، في إطار صراع بسط النفوذ على الثقل الشيعي الأكبر القريب من بيروت.
عربي 21