فشل مندوبو مصارف بنك باركليز، وإتش إس بي سي، والبنك الصناعي التجاري الصيني، في كشف خطة المصارف السورية التي تضمن الربح المؤكد، رغم توقف الإيداع وبلوغ نسبة التضخم مائة ضعف سعر الفائدة، بل والتوقف عن العمل وتعطيل كل الخدمات والسلع المصرفية.
وعاد المصرفيون البريطانيون والصينيون خائبين من فك شفرة برامج مجلس النقد والتسليف السوري، وخائفين من أن تجذب المصارف السورية الأموال المتوقع خروجها عن خزائن مصارف لندن، بعد “همرجة” الخروج عن الاتحاد الأوروبي.
ربما التعاطي بتهكم وسخرية هو الحل الأنجع، إن لم يك الوحيد، لتبرير ما يجري بسورية، طالما تستحيل منطقته اقتصادياً أو فهمه على نحو علمي وعقلاني.
قصارى القول: كان إجمالي أموال السوريين المودعة لدى المصارف بشقيها العام والخاص، نحو 1399 مليار ليرة سورية، عام 2010، أي 27.9 مليار دولار بسعر صرف 50 ليرة مقابل الدولار.
وارتفع إجمالي الودائع في بداية عام 2016 بالليرة ليبلغ 1624 مليار ليرة سورية، بزيادة 16%، ولكن إذا ما قيم بالدولار فإن حجم الودائع يبلغ حتى بداية العام 4.1 مليارات دولار وفق سعر صرف السوق في نهاية 2015 البالغ 390 ليرة مقابل الدولار، وليس وفق سعر صرف الدولار اليوم الذي يبلغ نحو 500 ليرة، ما يعني بلغة الأرقام أن حجم الإيداعات قد ازداد بالليرة السورية بمقدار 16%، وانخفض بالقيمة الفعلية مقيمة بالدولار حتى بداية العام بنحو 85%.
أما إن دخلنا بشيء من التفصيل، لنكشف عن توزع الإيداعات بين المصارف الحكومية والخاصة، فسنجد أنه في عام 2010 كانت قرابة ثلاثة أرباع الودائع موجودة في المصارف الخاصة بنسبة 76% من إجمالي الإيداعات المصرفية، بينما ربع الودائع موجود لدى المصارف الحكومية، بنسبة 24% فقط من إجمالي الودائع.
أما المصارف الخاصة، فقد أصبحت حصتها من الودائع في الربع الأول من 2016، نحو 41.3% بحوالى 670 مليار ليرة سورية، أي أنها خسرت ودائع بالليرة بمقدار 395 مليار ليرة.
وربما نجد بعض إيداعات لمن تم التغرير بهم عبر الشعارات الوطنية لحماية الليرة، أو رجال أعمال، ألزموا بالإيداع، كي يضمنوا حريتهم واستمرار عملهم في واقع يسوده الاستقواء والاعتقال والقتل …ولكن هذه بعض الحقيقة وثمة أسرار بالفعل .
نهاية القول: ربما من السذاجة التعاطي بعلمية واقتصادية مع واقع البلطجة الأسدية، لأن المصارف السورية، وخاصة الخاصة منها، ربحت ولم تزل، رغم انهيار الاقتصاد وتراجع الإيداع وتضخم الليرة، إذ ثمة ثغرات تركها المشرّع لتلك المؤسسات المالية، تضمن لها الربح ويضمن، بدوره، المتاجرة ببقائها على قيد العمل والتغني بأرباحها.
وما قيل عن ربح 14 مصرفاً خاصاً بسورية بنحو 84 مليار ليرة خلال العام الفائت بنسبة زيادة بلغت 240% عن العام السابق، رغم تراجع سعر صرف الليرة، فهو حقيقة وهاكم السر.
نتجت الأرباح بفعل انخفاض قيمة الليرة السورية، بعد إعادة تقييم مركز القطع البنيوي خلال عام 2015 مبلغاً وقدرة 92.3 مليار ليرة، بزيادة قدرها 58.6 مليار ليرة عن عام 2014 وتشكل الأرباح الناجمة عن إعادة تقييم القطع أكثر من 95% من أرباح المصارف الخاصة.
ونقول بالاقتصاد عن تلك الأرباح إنها غير محققة، لأنها لم تنتج عن نشاط فعلي وتشغيلي، أي لم يتم استخدام الأموال، بل فقط تسجل الأرقام من إعادة تقييم القطع الأجنبي بناء على ارتفاعه مقابل الليرة، فتظهر الزيادة، ولذلك فإن الأموال الدولارية، لا تستخدم في العمليات الاستثمارية، ولا توزع أرباح تقييمها، ولا تخضع للضريبة .
بصيغة بسيطة، سمحت القوانين السورية منذ عام 2002، للمصارف العاملة في سورية، بإنشاء مركز قطع بنيوي بالأموال الأجنبية كحد أعلى من الأموال الخاصة الأساسية الصافية، أي أن تخصص نسبة 60% من الأموال الأساسية بالعملات الأجنبية، لا تستطيع تحويله وبيعه أو شراءه، إلا بموافقة السلطات النقدية السورية، أما إذا باعته وحولته إلى ليرة، فإنها لا تستطيع أن تعيد شراء القطع الأجنبي وتعويضه إلا بعد 3 سنوات.
ولكن، وبهدف إغراء المصارف على البقاء بسورية الأسد، تم خلال الأزمة تعديل هذا القانون لجهة المدة الزمنية لإعادة تعويض القطع إذا ما تم بيعه، حيث تم اختصار المدة من 3 سنوات إلى سنة واحدة، أي أن المصارف التي تمتلك كتلة من القطع الأجنبي، تصل إلى 60%، أصبحت تستطيع أن تبيعها وتحولها إلى ليرة، وتقوم بشراء الدولار مجدداً خلال مدة عام.
بصيغة أكثر تبسيطاً، سمح مصرف سورية المركزي للمصارف العاملة بسورية أن تضارب بسعر العملات، بل وقاد المعركة بنفسه، وربما يعلم المتابع للسوق النقدية بسورية أن المصرف المركزي سعّر الدولار قبل شهرين بنحو 600 ليرة، قبل أن يتدخل ويشتري بنحو 350.. تاركاً لشركائه بالمصارف الخاصة حصة تبعدهم عن الخسائر وفق سر مصرفي قد لا يتخالف مع معايير “بازل” ولا يكشفه مندوبو المصارف الكبرى الذين أذهلهم الذكاء السوري ..
العربي الجديد