كشفت دراسة علمية أنجزت عن سر الكميات المهمة نسبيا لجليد الماء داخل فوهات تقع قرب قطبي عطارد، أقرب الكواكب للشمس. وقال الباحثون إن التباين الشديد للحرارة على سطح عطارد والرياح الشمسية قد يكونان وراء تشكل نسبة مهمة من هذا الجليد.
تهيمن على سطح أقرب الكواكب إلى الشمس حرارة قد تصل إلى أكثر من 420 درجة مئوية، إضافة إلى رياح شمسية عالية الطاقة تضرب بكل قوة كامل أرجائه، وهو ما يجعله أقرب إلى جحيم مفتوح. لذلك لم يلق هذا الكوكب اهتماما كبيرا من العلماء لاستكشافه كغيره من الكواكب.
جليد في الجحيم
كان “مارينر 10” أول مسبار يقوم بالتحليق المنخفض فوق كوكب عطارد في عامي 1974 و1975. بعد ذلك استُبعد الكوكب من قائمة الوجهات التي سيرت نحوها المسابر في المجموعة الشمسية إلى غاية عام 2011، عندما توجه المسبار “مسنجر” التابع لوكالة ناسا ليتخذ مدارا حوله.
وأظهرت الصور التي التقطها كل من مارينر ومسنجر أن سطح عطارد يشبه إلى حد كبير سطح القمر من حيث احتواؤه على فوهات قرب القطبين لم تصلها أشعة الشمس منذ ملايين أو ربما مليارات السنين. وبالتالي فإن درجات الحرارة هناك تكون منخفضة للغاية، مما يسمح لبخار الماء بالتحول إلى جليد مباشرة عن طريق التكثيف.
لكن من أين تأتي هذه المياه؟ يجيب العلماء أن العديد من المذنبات والكويكبات التي اصطدمت بعطارد لمليارات السنين، جلبت الماء إلى هذا الكوكب كما جلبته أيضا للقمر وللأرض. لذلك توقع العلماء العثور على الجليد على عطارد في أعماق بعض الحفر الموجودة قريبا من القطبين، حيث يمكن للحرارة أن تنزل إلى ما دون 170 درجة تحت الصفر.
وبينت دراسة علمية سابقة أن قطبي عطارد كانت لهما انعكاسية غير طبيعية للموجات الرادارية، وهي أحد المؤشرات القوية على وجود جليد الماء، وما أكده مسبار مسنجر.
لكن هذا التأكيد جعل علماء الكواكب في حيرة، فكمية الجليد على عطارد بدت من خلال الإشارات التي أرسلها مسنجر أكبر من المتوقع، فمن أين جاءت هذه الكميات الإضافية غير المتوقعة؟
الرياح الشمسية تشكل الماء
وفقا لتوماس أورلاندو وبرانت جونز من معهد جورجيا للتكنولوجيا، اللذان نشرا دراسة علمية جديدة لتفسير هذا اللغز في دورية “أستروفيزيكال جورنال لترز” في 16 مارس/آذار الحالي، فإن هذه الاختلافات ناتجة عن التباين الكبير في درجات الحرارة الشديدة بين النهار والليل على عطارد، إضافة إلى قصف الرياح الشمسية.
فنحن نعلم أن بعض المعادن في التربة على سطح عطارد تحتوي -مثل سطح القمر- على ما يسمى مجموعات الهيدروكسيل (OH–) المكونة من ذرتي أكسجين وهيدروجين مع شحنة سالبة، التي تتشكل بشكل رئيسي من بروتونات الرياح الشمسية.
شاهد: الحرارة العالية على عطارد والرياح الشمسية ساعدت على وجود الجليد داخل فوهات قرب القطبين (قناة جورجيا تك على اليوتيوب)
ووفقا للباحثين، فإن التجارب التي أجريت باستخدام جهاز لمحاكاة الظروف السائدة على عطارد، تبين أنه -على عكس حالة القمر- تتحرر كثير من أيونات الهيدروكسيل من المعادن لتتحد مع بعضها وتشكل جزيئات الماء.
ونظرا لضعف الجاذبية فإن بخار الماء المتكون في الأجواء الساخنة جدا يرتفع نحو الأعلى، حيث تقوم الأشعة فوق البنفسجية بتدمير جزء منه. أما الجزء الآخر فينجح في الوصول إلى القطبين وبالتالي يمكن أن يتكثف في المناطق الباردة من عطارد حيث يمكن أن تنخفض درجة الحرارة إلى -200 درجة مئوية.
وبحسب الباحثين، فإن كمية الجليد المائي الإجمالية المشكلة بهذه الطريقة تبلغ حوالي 10 مليارات طن خلال الثلاثة ملايين سنة الأخيرة، أي ما يناهز 10% من كمية الجليد الموجودة داخل الفوهات القطبية على عطارد، وهو ما يفسر القياسات التي قام بها مسبار مسنجر فوق تلك المناطق.
نقلا عن الجزيرة