أعددت نفسي مساء البارحة قبيل بضع دقائق من انطلاق صافرة بداية المباراة التي جمعت فريقي ريال مدريد الإسباني ونظيره الألماني بايرن ميونخ في دور نصف النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا “تشامبيونزليغ”.
كان كلّ شيء جاهزًا قبل انطلاق تلك الصافرة، فجهاز اللابتوب مجهّز على موقع القناة التي ستبث المباراة، وكلّ ما أحتاجه من مشروبات “غازية” أو عصائر وبعض المأكولات كان معدًّا على أكمل وجه أيضًا.
هذه ليست أيّ مباراة، فهي مباراة الحسم للتأهّل إلى نهائي دوري الأبطال الذي إن استطاع ريال مدريد تحقيقه سيكون بذلك قد حقّق الرقم 15 في الفوز بهذه البطولة، وهو بالطبع ما أتمنّاه كوني مشجّعًا قديمًا للميرينجي. انطلقت صافرة البداية وكلّ جوارحي تشجع الفريق الملكي ، وتتمنّى فوزه ، فأستشيط غضبًا كبركان هائج عند إهدار أيّة فرصة و أتصبّب عرقًا من شدّة التوتر عند اقتراب مهاجمي الفريق الخصم من منطقة الـ 16 لفريقي الذي أشجّع.
مرّت بضع دقائق حتى بدأت ذاكرتي بالرجوع بي إلى سنوات مضت ، حيث بدأت تتراءى أمامي لقطات من مباريات سابقة جمعت الفريقين بالحماس ذاته ، ولكن اختلف المشجعون المخضرمون لتلك المباراة القوية. لطالما شاهدت الدوري الألماني وشجّعت بايرن ميونخ لمحبّة ابن عمي وصديقي الغالي “محمد” الذي عشت معه عدّة سنوات تقاسمنا فيها همومنا وأحزاننا ولحظات فرحنا وجميع أسرارنا.
كان محمد -تغمّده الله في رحمته- من مشجعي الفريق البافاري ولطالما شاهدنا مباريات جمعته بريال مدريد ، فكنا ندًا لند يعلّق كلّ منّا بسخرية على أخطاء لاعبي الفريق الخصم ،من وجهة نظرنا طبعًا.
أعادتني هذه المباراة أكثر من 10 سنوات مضت عندما استأجرنا غرفة في بهو الملعب البلدي في مدينة اللاذقية (أسفل المدرجات) حيث أمضينا فيها قرابة السنة أو أكثر مع إياد العائد من بعثة كانت قد أرسلتها قوّات البحرية إلى اليونان والذي لطالما أسمعنا الأغاني اليونانية وترجمها لنا بحرقة المشتاق لأيامه الماضية في غربة كان يعتبرها وطنًا.
كيف لا أستذكر محمد في مباراة بايرن ميونخ وكنت الذي يثق به لدرجة حضوري عددًا من الاجتماعات السرية بينه وبين أصدقائه يخططون فيها لطريقة تمكّنهم من الانشقاق عن قوات النظام عقب انطلاق الثورة السورية. مازلت أذكر كيف ذهبت مع محمد بسيارة أحد الأصدقاء لأودعه بالقرب من كازية العابد في محيط مدينة اللاذقية على طريق مدينة جبلة حيث بدأ رحلة الانشقاق عن نظام الأسد بسيارة شاحنة قبل أن يكمل رحلته سيرًا على الأقدام ليكلّل مسيره بالوصول إلى جسر الشغور بعد 9 أيام من السير ليلًا وكنا نتواصل حينها عبر تطبيق تلغرام.
انتقل بعدها محمد للعيش في مدينة هاتاي التركية مع زوجته وأبنائه وأخيه يوسف الذي قاسمنا شوطًا كبيرًا من ذكرياتنا معًا في كلتا المدينتين الجميلتين “اللاذقية وهاتاي”. كنت أقوم بزيارتهما كلّما سنحت لي الفرصة لذلك لنسترجع معًا بعض ذكرياتنا الجميلة أثناء تناولنا الكنافة التي كان يصنعها يوسف باحترافية تامّة، فقد عمل في صناعة الكنافة بالرغم من إجازته في هندسة الحاسبات، فهذه حال معظم السوريين في تركيا آنذاك.
كنت قد عزمت على زيارتهما في اليوم الذي وقع فيه الزلزال الذي دمّر مدينة هاتاي برّمتها وراح ضحيته الآلاف من السوريين سواء في تركيا أو شمال سوريا، ولم يستثن القدر يومها محمدًا وعائلته وأخيه من الضحايا. غادر محمد ويوسف هذه الحياة الفانية وتركا في داخلي آلاف اللحظات من الذكريات التي تمرّ أمام كلّ يوم تقريبًا، فكلّ شيء بات يذكرني بهما ، حتّى أصغر التفاصيل وحتّى مشاهدة المباريات.
وأقسم لو أنّ البايرن كان قد تأهّل إلى نهائي دوري الأبطال لكنت سعدت أيضًا وإن كان ذلك على حساب الفريق الذي أشجّعه، ليس انتقاصًا من محبّتي للريال، وإنّما تأكيدًا على محبّتي لصديقي وأخي وابن عمي “محمد” رحمه الله وتقبّله في زمر الشهداء.
محمد المعري