لم تكتف الغطرسة الروسية في وأد أحلام السوريين المستقبلية، بل تآمرت على من تبقّوا منهم داخل حدود وطنهم لإعطائهم درساً في دروس العولمة الحديثة لمفهوم كيفية بسط النفوذ في العصر الحديث، عن طريق تكريس حرب الإبادة والفناء، فهي استطاعت عبر طائراتها تحويل السوريين إلى أرقام على قارعة الطرقات في مداخل المدن المحرّرة وأروقتها.
بعد عام من التدخل الروسي، وإحداث تغيير جذري في المعادلة السورية لصالح نظام الأسد، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن حملة جوية بحرية، مع وصول الأميرال كوزنتسوف إلى مياه المتوسط على أرياف حمص وحلب وإدلب، لزيادة الضغط على المعارضة، فهي في حمص من أجل تنفيذ الاتفاقية مع النظام، وتسليم حي الوعر بالكامل والقبول بشروط النظام بشكل كامل، وعدم المطالبة بالمعتقلين في سجون النظام، وهي في ريف حلب للضغط على الفصائل العسكرية، وقبولها الانفصال عن جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) تمهيداً للخلاص منها، بعدما وُضع ثلاثة من قيادييها، تحت مرمى طيران التحالف بطلب من الرئيس باراك أوباما الذي قرّر أن ينهي ولايته بإعلان الحرب على جبهة فتح الشام، ما يفسّر طبيعة الغزل الأميركي لروسيا، والاكتفاء فقط بالتنديد والقلق على المجازر المرتكبة بحق الشعب المغتصب، وهي في إدلب لتأمين سورية المفيدة، وفصل المناطق المتصلة مع بعضها، بين ريف اللاذقية وريف إدلب وجسر الشغور وحماة.
جاء إعلان المحرقة على حمص وحلب وإدلب بعد تلاقي المواقف والتوجهات بين بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حول الملف السوري، حيث جرى بينهما اتصال هاتفي نتج منه تعزيز التعاون بين الجانبين على محاربة الإرهاب.
بات بوتين مقتنعاً بأنّ أمجاد روسيا السوفييتية ستظهر من جديد، وتشرق شمسها عبر منطقة الشرق الأوسط، فلم تعد تطلعات بوتين أضغاث أحلام عند خصومه الغربيين والأوروبيين الذين استشعروا بأنّ المنطق الروسي لا يتناسب مع الدبلوماسية الحديثة التي تحتكم إلى لغة تحقيق المصالح عن طريق الآخرين، على العكس، فبوتين لجأ إلى منطق القوة والوضوح عبر تدخله في سورية، كفرصة سانحة لعدم اختصار العالم بين يدي الولايات المتحدة.
لهذا، قرّر بوتين أنّ التغيير لن يكون إلا عبر بسط النفوذ لإحداث إضراب عالمي، يمتد من الشرق إلى الغرب، ولغة الفناء والإبادة الجماعية هي الأسهل له مادام العالم العربي في سبات دائم.
التصادم الروسي الأميركي والتزاحم على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط اختلف فيه معظم المراقبين لتحولات المنطقة العربية، فلا هما متفقتان بالمطلق، ولا مختلفتان في المطلق، والمقولة إنّ أميركا تريد استنزاف روسيا بحروب طويلة الأمد هي صحيحة وغير صحيحة بآن واحد معاً، وإعادة بوتين أمجاد روسيا هي صحيحة وغير صحيحة أيضاً، لأن غياب الثوابت يفضي إلى أنّ كل شيء نسبي.
العربي الجديد – يمان دابقي