ي اجتماع لندن بشأن سورية، مباشرة بعد اجتماع لوزان الفاشل، حضّ (مفردة الخبر الذي نقلته وكالات الأنباء العربية) وزير الخارجية البريطاني، لوريس جونسون، روسيا على إظهار الرأفة في حلب. وكانت هذه العبارة المفارقة الأكثر طرافةً في الاجتماع، وإن كان هناك عبارات أخرى نافستها، فما كشفه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن توجهات الولايات المتحدة تجاه الأزمة السورية مثير للاهتمام أيضاً، فهو قال حرفياً: “لم يستبعد الرئيس أوباما أي خيارٍ للرد على روسيا في سورية، مع التأكيد أنه لا يوجد خيار عسكري).
وقد قام الاجتماع بحد ذاته على فرضيةٍ ظريفة، حيث دعت الولايات المتحدة حلفاءها ممن لم يشاركوا في اجتماع لوزان، لتطلعهم على ما جرى في الاجتماع، وتتشاور معهم في الأفكار الجديدة التي طرحت فيه، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب السورية. وكان اجتماع لوزان، بحد ذاته، “فرصة لتبادل الأفكار” بين أطرافٍ تملك جميعها قوة عسكرية على الأرض السورية، أو تدعم بشكل مباشر قوىً أخرى ترتبط بها. وخرج الاجتماع بنتائج أقل قليلاً مما يمكن أن يكتبه أي شاب سوري على “فيسبوك”. أي أنه اجتماع أفكار، والأفكار أكثر ما يحتاجه اليوم ملايين السوريين القابعين تحت الحصار في حلب، وغيرها من المدن السورية. تقصفهم الطائرات من فوق، وتنخسف الأرض تحتهم من تحت، ويحيط الدمار بهم من كل مكان، وينهش الجوع أمعاءهم. وبالتالي، هم يملكون كل شيء، وتنقصهم الأفكار فقط.
وينقصهم أيضاً أن يؤكد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن “تدمير روسيا حلب في شكل كامل، على طريقة غروزني، لن ينهي الحرب السورية”، فهم لم يكونوا يعرفون هذه المعلومة، وكانوا يعتقدون أن تدمير حلب على طريقة غروزني سينهي الحرب في سورية، حتى أن السوريين كانوا يستيقظون، في الصباح الباكر، ليدعوا الله أن تدمر روسيا حلب على طريقة غروزني، ظناً منه أن الحرب ستنتهي، وسيعودون إلى منازلهم، ويعود المفقودون والمهجّرون، لذلك، أردفها كيري بوعد لأهالي حلب بأنه ونظيره البريطاني، جونسون، سيواصلان إيصال رسالةٍ إلى موسكو بضرورة وقف النار الفوري، ووقف قصف حلب، ومع الإصرار والاستمرار بإرسال الرسائل، عبر كل وسائط التواصل، يبدو أن روسيا قد أذعنت واستجابت. وبعد جهدٍ جهيد، قرّرت أن تعلن وقفاً لإطلاق النار ثماني ساعات كاملة، وكأنها تريد أن تقول للعالم: رأفة هذه أم ليست رأفة (يا متعلمين يا بتوع المدارس)؟
وبعد أخذ ورد وشدٍّ وجذب، تصريحات وتصريحات مضادة، قرّرت تمديد الهدنة ثلاث ساعات إضافية، فيما يعتبر أكثر بكثير من الرأفة التي طلبها الوزير البريطاني. وفي الوقت نفسه، كانت الخارجية الروسية تذكّر بشروطها لتواصل تقديم “الرأفة”، وتؤكد أنه لكي ينجح اتفاق أميركي – روسي لوقف النار “يجب فصل المعارضة السورية المعتدلة عن جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وغيرها من الجماعات الإرهابية التابعة لها”.
بعد اجتماع لندن الملحق باجتماع لوزان، بدأ الكلام عن اجتماع برلين الذي لا يقل أهميةً وعمقاً عن سابقيه، وهو أيضاً اجتماع أفكار من تلك الاجتماعات الكثيرة التي تتداول الأفكار، فيما تمرّ أهم الأفكار من فوق رؤوس الناس المقيمين في حلب، وتتساقط فوق بيوتهم فكرةٌ تلو فكرة، ويهرعون لانتشال أطفالهم من تحت الأفكار. فيما يكرّر كيري: “هناك أفكارٌ كثيرة، يجب التعمُّق فيها سريعاً، على أمل أن تساهم في حل المشكلات التي تعيق تطبيق وقف النار السابق الذي تم التوصل إليه، لا يمكنني الخوض علناً في تفاصيل هذه الأفكار، ولا أريد إفساح المجال للتكهُّنات”.
في المحصلة، ما زال الدولاب الذي يدور منذ خمس سنوات ونصف السنة يدور، حاصداً في طريقه أرواح السوريين وبيوتهم ومستقبل أطفالهم، ولقمة عيشهم، وما تبقّى من أملٍ بالحياة لهم، فيما القوى الكبرى التي تدعى يومياً حرصها على الشعب السوري، وتدّعي نصرته وصداقته والعمل لأجله، لم تفعل شيئاً، طوال هذا الوقت، سوى تبادل الأفكار ومزيد من الأفكار، وعقد الاجتماع تلو الاجتماع، لتؤكّد، في نهاية كل واحد منها، على أن لا حل عسكرياً لسورية، وأن من الضروري البدء بعمليةٍ سياسيةٍ تنهي الحرب في هذا البلد الممزّق، وتوقف سيل الموت والنزوح المستمر من دون توقف.
العربي الجديد – علا عباس