بينما يجتمع القادة العرب والرئيس الأميركي باراك أوباما لمناقشة أمن الشرق الأوسط، برزت تطورات في سوريا يمكن أن تعزز بشكل جذري سعي المعارضة السورية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
أما السبب وراء تلك التغيرات الجذرية فهو روح التعاون الجديدة بين المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، الدول الرئيسية الداعمة للمعارضة السورية. وقد حلت هذه الروح محل الخلاف الذي ساد بين هذه الدول بعيد اندلاع الثورة السورية عام 2011، ووصل في وقت من الأوقات إلى حد التأثير سلبيا على وضع فصائل المعارضة المسلحة على الأرض.
ولكن تلك المرحلة قد ولت وحل محلها تحالف جديد أدى إلى تعزيز فرص المعارضة وتحقيقها لمكاسب عسكرية واضحة على أرض المعركة. ويعود الفضل لإحياء تلك الشراكة فيما يتعلق بسوريا بشكل كبير إلى موقف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي استخدم بذكاء علاقات بلاده الوثيقة بتركيا.
من جهة أخرى، يدل إعادة هندسة طريقة عمل داعمي المعارضة السورية إلى تغير جوهري في سياسة السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، الملك الجديد الذي قاد بلاده لعلاقات أفضل مع قطر وتركيا بعد سنوات من الجفاء.
تشاركت الدول الثلاث في ضخ السلاح بشكل متسق للمعارضة السورية، ونتج عن ذلك ولادة تحالف جديد للمعارضة اسمه “جيش الفتح” والذي استطاع تحقيق انتصارات مهمة في جبهة مدينة إدلب ومناطق أخرى في شمال غرب البلاد.
أما جيش النظام فقد بدأ يظهر عليه الإرهاق كما يبدو، ولم يستطع الاحتفاظ بالمواقع التي يتم تحديه فيها عسكريا. وتعود أسباب الموقف الصعب لنظام الأسد إلى الوضع العام في الشرق الأوسط واعتماده الحيوي على إيران.
إن سياسة الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس باراك أوباما قد اعتمدت إستراتيجية تهدئة الأوضاع مع إيران ومحاولة التوصل إلى حل لملفها النووي، قد أدت إلى تحرك التحالف العربي ضد إيران ووكلائها الإقليميين بشكل أكثر وضوحا، وقد تجسد ذلك في محورين، الأول شن حملة عسكرية لتقليم مخالب الحوثيين في اليمن، والثاني دعم قوي للمعارضة السورية ضد الأسد الحليف الإستراتيجي العتيد لإيران.
ونتيجة لذلك يواجه إيران وحلفاؤها ولأول مرة منذ عقود ضغوطا قوية من العرب السنة الذين بلغ بهم السيل الزبى، ولكن علينا ألا ننسى أن هناك مشكلة شائكة تواجه عمل الدول الداعمة للمعارضة السورية، ففصائل هذه المعارضة كانت في السنين الماضية تقاتل جنبا إلى جنب مع فصيل اسمه جبهة النصرة وهو فصيل موال للقاعدة. وقد سربت مصادر عديدة أمس أن النصرة قد تقوم في الأيام القادمة بإعلان براءتها من تنظيم القاعدة والالتحاق بجيش الفتح.
وإذا ما صدقت التسريبات فإن ذلك يعني بروز عوامل ومتغيرات عديدة قد تؤثر دراماتيكيا على ما تقدم من سيناريوهات تتمثل بالتحالف الجديد الذي يقاتل ضد الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية. فمثلا الأردن وإسرائيل قد عملتا في الفترة الماضية على تطوير اتصالات سرية بينهما وبين تشكيلات جبهة النصرة العاملة على حدودهما. العامل الثاني هو الرغبة الأميركية الجديدة لتفعيل منطقة حظر طيران فوق المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا.
إن تفعيل منطقة الحظر الجوي يعني إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم في مناطق عديدة، ومن شأن ذلك أن يتزامن مع انتشار الجيش الجديد الذي تدرب على يد الخبراء الأميركيين وانتشرت أول وحدة منه لقتال تنظيم الدولة في عاصمته السورية، الرقة.
أما روسيا فسيكون لها دور مهم في تطور حبكة المشهد على المسرح السوري. وزير الخارجية الأميركي زار روسيا التي يبدو أنها لم تعد قادرة على التمسك بموقفها التقليدي المتمثل برفض أي سيناريو من شأنه استبعاد الأسد من المشهد الانتقالي.
على الجانب الآخر من المشهد فإن السعودية وقطر وتركيا نشطت في الفترة الماضية لإيجاد بديل علوي لنظام الأسد، الأمر الذي جعل الأخير ينشط في تصفية أي منافسين علويين على رأس السلطة، ولكن مع ذلك لا يمكن للمراقب إلا القول إن قوة نظام الأسد في حالة انحدار مستمر.
ولا أدل على ضعف نظام الأسد من استهدافه الأخير لعلي مملوك أحد أعمدة المخابرات السورية ومن الدائرة المقربة للأسد ووضعه تحت الإقامة الجبرية. وذلك بالطبع بعد وفاة رستم غزالة أحد قامات النظام السوري.
أخيرا وليس آخرا، على الجانب الإستراتيجي، فإن التحرك القطري الذكي قد يكون له انعكاسات على الوضع في ليبيا المضطربة أيضا، حيث أفادت مصادر بأن فجر ليبيا التي تدعمها تركيا وقطر قد أبدت استعدادها للتعاون مع الفريق خليفة حفتر الذي تدعمه مصر والسعودية والإمارات. وأوضحت المصادر أن إعلان فجر ليبيا إذا تم فسيكون موجها للتحالف مع حفتر ضد تنظيم الدولة.
ديفيد إغناتيوس – واشنطن بوست