بعد كل انتصار يحققه الثوار على الأرض, تبدأ المراوغات السياسية الروسية في أروقة السلك الدبلوماسي الدولي لاحتواء الموقف المتفاقم لحليفها الأساسي في الشرق الأوسط “النظام السوري”, فقد بات هذا الأمر واضحا لكل المهتمين بالقضية السورية من ناحية البعد السياسي, وخصوصا أن دولة “الكرملين” تلعب دور الوسيط والجلاد في آنٍ واحد.
جاءت معركة كسر طوق الحصار عن حلب بمثابة صفعة قوية لكل من روسيا وإيران اللتين ساهمتا بشكل مباشر وأساسي بمساعدة النظام السوري في الاستيلاء على طريق الكاستيلو وبالتالي نجاح الخطة الرامية لفرض الحصار على الأحياء الشرقية وتقطيع أوصال المناطق المحررة في سورية بعزلها عن بعضها بشكل جزر منفصلة, فكانت تلك المعركة هي الضربة القاصمة التي تلقتها الخطة العسكرية “الروسية الإيرانية السورية” على الأرض, لدرجة أنها أحدثت مفاجأة كبرى أجبرت روسيا على العودة مرة أخرى إلى الاستفادة من عامل التقاعس الدولي لفرض القرارت السياسية عن طريق بوابة مجلس الأمن والأمم المتحدة التي تكيل بمكيالين, من أجل إجبار قوات المعارضة على التوقف عن الاستمرار في حصد المكاسب العسكرية على الأرض, وبالتأكيد فإن الحجة الروسية حاضرة وجاهزة وهي “الهدنة الإنسانية”.
هكذا تعودت روسيا بالحصول على المكاسب السياسية المرتبطة بالواقع العسكري على الأرض, في حين فشلت أو تجاهلت كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي مسألة فتح ممر إنساني واحد لمنطقة ثائرة واحدة محاصرة من المناطق المحررة في سورية بعيدا عن الرغبة الروسية.
وبحسب وكالة “الأناضول”, فقد قامت البعثة الروسية لدى مجلس الأمن الدولي فجر اليوم “الخميس” بتقديم مشروع بيان مضاد للبيان الذي تقدمت به بريطانيا أمس الأربعاء بخصوص السوريين المحاصرين في حلب, ووزعت البعثة الروسية على أعضاء مجلس الأمن الدولي مشروع بيان يدعو إلى “اتخاذ إجراءات فورية شاملة لمنع المقاتلين “الإرهابيين” الأجانب من عبور الحدود ووقف التدفق غير المشروع للأسلحة إلى سورية, كما يطالب بالإيصال الفوري للمساعدات الإنسانية إلى حلب مع ضرورة التنسيق مع “الجيش السوري” من أجل إيصالها”.
ويشير مشروع البيان الذي حصلت الأناضول على نسخة منه, إلى الإحاطة التي قدمها كل من مبعوث الأمين العام الخاص لسوريا, “ستيفان دي مستورا”, ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية “ستيفن أوبراين” في التاسع من الشهر الجاري, عزم مجلس الأمن الدولي القوي لمكافحة التهديد الإرهابي في سورية بكل الوسائل.
وبحسب مشروع البيان “يدعو مجلس الأمن كافة جماعات المعارضة إلى الانسحاب فورا من الجماعات الإرهابية ووقف دعمها”.
ويؤكد مشروع البيان الذي يتطلب موافقة أعضاء المجلس البالغ عددهم 15 دولة على “التصدي لجميع جوانب الوضع الإنساني المتردي في سوريا, بسبب تزايد الأنشطة الإرهابية, ويؤكد أعضاء مجلس الأمن دعوتهم لوصول المساعدات الإنسانية فورا, دون عوائق وبشكل كامل لجميع المناطق السورية, كما يدعو للرفع الفوري للحصار عن كل المدن التي تعاني منه, بما في ذلك جميع مناطق حلب , بغض النظر عن الطرف المسيطر”.
مما تقدم نلاحظ أن مشروع القرار يضمن كل النقاط والجوانب التي تصب في صالح النظام السوري, وتتضمن فعليا ضرب النجاح الذي حققه الثوار في معاركهم الأخيرة في حلب عن طريق تحفيز مشاعر المجتمع الدولي بخطر “الإرهاب” القادم من معظم الفصائل التي تشكل العماد الرئيسي لقوات المعارضة الضاربة, عن طريق إحداث شرخ بين تلك القوات التي وحّدت جهودها في غرفة عمليات واحدة بفرزها إلى فصائل إرهابية وأخرى معتدلة وفق وجهة النظر الروسية التي فيما يبدو أنها لن تستثني أحدا مع مرور الوقت.
الكرة لم تعد في ملعب المجتمع الدولي ومجلس الأمن, الخاضع لرغبة التسلط الروسي على قراراته إما طوعا أو حتى “كرها”, بل إن الكرة الآن في ملعب الثوار الذين باتوا يدركون أن روسيا دولة ماكرة و مخادعة ولم تحترم أيا من الوعود والعهود التي أطلقتها سابقا, بل هي طرف أساسي في الصراع وليست طرفا في حله.
فماذا سيكون موقفهم من هذه المراوغة السياسية الروسية المتوقعة؟!
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.