اعتادت “أم أمجد” من سكان الوعر على الوقوف خلف طوابير المدنيين لتنال ربطة الخبز الوحيدة، وسط شتائم “الشبيحة” وتدافع المحتاجين المحرومين من أبسط حقوقهم المدنية، ناهيك عن مخاوف القصف ونيران الاستهداف لتجمعات الأهالي التي لطالما كانت مرمى لمجازر عدة.
عانى “حيّ الوعر” في حمص من ويلات الحرب وكثافة النيران مع دمار هائل للمكان حيث اسودّت أيام المدنيين فيها مع سياسة (الحصار والنار) وبدأ الناس بالنزوح…وفق سياسة منهجية (التهجير) والتي لا تقل في الوحشية عما قبلها ولم يبقَ في الحي سوى عددٌ قليل من العائلات. صارَ الوضع مأساوياً للغاية، بلا محلات للخضار والطعام، وقوّات النظام لا ترحَم!.
“أم أمجد” (27عاماً) وجدت في البقاء ورفض النزوح عاملاً مساعداً مع ضرورة التواجد مع أمها العجوز وأطفالها بعد تغيب الزوج على أحد الحواجز القريبة من الحيّ وأخبرتنا عبر مواقع التواصل “وتس آب” عن رفضها لشراء ربطة الخبز التي وصل ثمنها 800 ليرة قائلةً ” كان في حيِّنا فرن، تعرَّضَ أيضاً للقصف، وأُصيبَ مَن فيه، فتوقَّفَ عن العمل. نفذَ الخبز، لا يوجد خبز! وإن تواجد عن طريق شبيحة النظام فهو بأسعارسياحية.. في البداية، كنّا نأكل الخبز اليابس ونضع عليه القليل من الماء كي يصبح طرياً. لكن بعد ذلك ماذا نفعل؟”.
نفذ رصيد الشحن لدى “أم أمجد” وانتظرتنا عدة ساعات لتتابع قائلةً ” رفضت شراء الخبز من شبيح كان قد وضع ما أملي عليه من أوامر داخل ربطة الخبز، منشور ورقي كتب عليه (الجوع أو الركوع) كان تحدياً استفزازياً زاد من كرهي لنظام حرمني من زوجي وكلل حياتنا بسواد المعاناة، في يوم، كانت الإشتباكات عنيفة جداً، وأصوات الرصاص لا تهدأ… كان لدينا القليل من الطحين، ولا يوجد لدينا خبز، اقترحت أمي أن نصنع الطحين خبزاً على الصاج وأن نوقد النار خلف جدران منزل الجيران المنهار كانت الفكرة غريبة وجديدة بالنسبة لي! وفعلاً، صرنا نحضّر الخبز أنا وأمي، على وقع القذائف التي تسقط على الحي، الواحدة تلوَ الأخرى. يا لهذه المفارقة، بين أن تكون تحت الموت، وأنتَ تصنع وسيلتك للبقاء على قيد الحياة، في ظل نفاذ المواد الغذائية”.
وأضافت “ربما تأقلمنا؟ نعم… لكنّ البكاء كانَ سيِّد الموقف في لحظاتٍ كثيرة، أنني لا أجيد صناعة الخبز وأحياناً أحرقه.. لكنه أطيب بكثير من أن تركع لجلادك، مرّت الأيام هكذا… ببطءٍ شديد… لا ماء لا كهرباء لا طعام، فقط القليل من الخبز الذي أصنعه بعدما اعتقدتُ أنّ ذلك كانت تفعله جدتي ولن أفعله كابنة هذا الجيل”.
نعم.. إنها الحرب السورية التي علمت الكثير أمثال “أم أمجد” الصبر والتأقلم وسط تخاذل الجميع وصمت القريب قبل البعيد ..صنعت الخبز.. لتعكس كلمات المنشور داخل ربطة الخبز ويصبح.. (الموت ولا المذلة).
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد