بعدما كان الغزيون يترقّبون أحوال العاصفة الثلجية التي تهبّ على دول شرقي البحر الأبيض المتوسط بكلّ حذر وتخوف من غرق منازلهم بسبب ضعف الإمكانيات المتاحة للبلديات والبنية التحتية السيئة، تحقق كلّ ذلك في الأيام الأخيرة. فتواصل العاصفة واشتدادها، خصوصاً لجهة الأمطار الغزيرة عليهم، أغرق مناطق عديدة من القطاع بالكامل، وعلى وجه التحديد في جنوبه. وكانت الأمطار غزيرة بشكل فاق بأشواط قدرة برك تجميع المياه على استيعابها، ما أدى إلى فيضانها.
هذا الوضع أغرق مناطق عديدة في محافظة رفح، منها شوارع وحارات في أحياء الجنينة، ورفح الغربية، وجميزة السبيل، وحارة محمد زعرب، والنجيلي، وأبو سويعد، وبريكة، وفوجو. وأدى ارتفاع منسوب المياه في المنازل إلى محاصرة المواطنين داخلها. وهو ما دفع طواقم الدفاع المدني وعناصر بلدية رفح إلى إخلاء السكان باستخدام مراكب صيد صغيرة وسط الشوارع.
بدورها، توجهت عشرات العائلات إلى المناطق المرتفعة القريبة من منازلها هرباً من الغرق. هناك، نصبت خياماً جلدية تبرعت بها بعض الجمعيات على أن تستعيدها لاحقاً، وهي تنتظر شفط المياه من المنازل لتعود إليها لاحقاً. وقد توجّه عدد قليل من السكان إلى منازل بعض الأقارب في رفح للإقامة لديهم موقتاً، فيما بقيت عشرات العائلات في شوارع المنطقة تنتظر مبادرة البلدية إلى شفط المياه من أجل العودة إلى المنازل التي لا تملك أي مأوى غيرها.
من العائلات التي خرجت من منزلها عائلة زعرب. يقول الوالد سعيد زعرب لـ”العربي الجديد” إن “المياه تسرّبت إلى المنزل صباح يوم الإثنين الماضي مع بدء العاصفة، لكن بجهدنا تمكنّا من إخراجها. لكن، ليلة أمس الأول الثلاثاء تسربت المياه من كل النواحي ووصلت إلى النوافذ حتى”. خرج زعرب مع عائلته مبتلين بالكامل، عدا عن تبلل كلّ ملابسهم الأخرى أيضاً. استعار بعض الملابس له ولأبنائه الأربعة من بعض الجيران، وما زال ينتظر في الشارع مع عائلته.
من جهتهم، بقي أفراد عائلة محمود بركات ينتظرون على سطح منزلهم بعدما غمرت المياه الطابق الأرضي من المنزل الواقع في منطقة جميزة غربي محافظة رفح. انتظرت العائلة ساعات قبل أن تحضر الرافعات الكبيرة التابعة للبلدية من أجل إنقاذهم. يقول بركات لـ”العربي الجديد” إن “مذ بدأت المياه بالارتفاع، صعدنا إلى السطح خصوصاً أنّ الشوارع كانت مليئة بالمياه أيضاً. ومنذ ذلك الوقت، فقدنا الاتصال بالكامل مع أيّ شخص طوال ست ساعات. وبالصدفة شاهدنا أحد الأشخاص الذي بادر إلى الاتصال بالدفاع المدني. خرجنا ونحن على حالنا بملابسنا المبتلة، بينما غرق كلّ أثاث البيت وغرقت معه كلّ أوراقنا ومستنداتنا الرسمية”.
وقف بركات على سطح منزله ينظر تارة إلى بيت جيرانه، وتارة أخرى إلى بيته. يقول: “نعيش في منع تجول منذ الأيام الأولى للعاصفة. يجب أن نجهز أنفسنا للمرات المقبلة كأنّنا مقبلون على حرب مع العدو الإسرائيلي. ففي ظلّ غياب البنية التحتية وحصار الأمطار لنا، ما علينا إلاّ أن نجهز مواد غذائية وتموينية أخرى كي لا نموت جوعاً وعطشاً”.
في سياق متصل، أدت كميات الأمطار الكبيرة في رفح، إلى إغراق مزارع دواجن وأبقار غربي المحافظة الجنوبية. كذلك غرقت مدرسة “الجنينة” الإعدادية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وعشرات المنازل والمحال التجارية التي تحيط بها.
من جهته، يوضح رئيس لجنة الطوارئ ودائرة الصحة والبيئة في بلدية رفح أسامة أبو نقيرة أنّ 60 منزلاً تضم نحو 100 أسرة غرقت خلال أيام العاصفة التي تضرب رفح. وكان آخر نتائجها ليلة أمس الأول الثلاثاء، حيث جرى إخلاء 13 منزلاً بواسطة القوارب الصغيرة عبر الدفاع المدني وطواقم بلدية رفح. يضيف أنّ عدد الذين خرجوا من بيوتهم بعد الغرق يقدّر بنحو 650 فرداً في مدينة رفح وحدها.
ويشير أبو نقيرة لـ”العربي الجديد” إلى استمرار الخطر على أكثر من 70 منزلاً باتت بدورها مهددة بالغرق في حيّ المشروع شرقي رفح، وهو الذي يضم منطقتي أبو حدايد وشيخ العيد، بسبب خراب البنية التحتية مع تدفق المياه بشكل كبير إليها. وهو ما جعل من أرضية المنازل برك مياه تصل إلى النوافذ والأسقف أحياناً. يقول: “غرقت هذه المناطق بسبب امتلاء برك تجميع مياه الأمطار في الأحياء بالكامل، وعدم قدرة المضخات على استيعاب كميات المياه الهائلة، خصوصاً مع ضعف إمكانيات بلدية رفح التي تعاني من أزمة خانقة”.
العربي الجديد