العميد الركن أحمد رحال محلل عسكري واستراتيجي/
من المؤكد والمسلم به أن نبرة الصوت المرتفعة التي تحدث بها أمين عام حزب الله “حسن نصر الله” لم تكن تعبر عن قوة بقدر ما كانت تنقل مدى الألم والهزيمة التي لحقت بعناصر وقيادة الحزب، فكل العارفين بخفايا الخسائر التي لحقت بحزب الله في معارك حلب وفي الجبهة الجنوبية بالتحديد، يعلمون أن كوادر الحزب دأبت خلال الأسابيع الأربعة الماضية على محاولة لملمة الجراح وتهدئة قاعدة الحزب الشعبية وخصوصاً في الضاحية الجنوبية وبعلبك، فمستشفى الرسول الأعظم أصبح منطقة عسكرية يمنع الاقتراب منه ومعرفة ما تحويه ثلاجات غرف موته من أعداد.
في تفاصيل قتلى حزب الله علينا أن نعلم أن الأسماء الي يعلنها حزب الله من قتلاه تشمل اللبنانيين ومن لهم أبوين فقط، فالأطفال اليتامى الناجمين عن “زواج المتعة” تتولى جمعيات حزب الله الاجتماعية تربيتهم وتنشئتهم ومع وصولهم لأعمار مقبولة يتم ضمهم لكشافة حزب الله، ومع الخسارات المتتالية أصبح حزب الله يزج بهؤلاء الأطفال والذين تتراوح أعمارهم ما بين 16_17 عام ليكونوا وقوداً لحربه التي أوقع نفسه بها داخل الأراضي السورية، ومع مقتل أعداد من هؤلاء الأطفال يتم التستر عنهم وإخفاء إحصائياتهم عن القتلى الذين يعترف بهم الحزب.
أيضاً هناك شريحة أخرى من قتلى “حزب الله” لا يتم الاعتراف بأعدادهم ولا تشملهم إحصائيات قتلى الحزب، وهم عناصر “حزب الله السوري” الذي يضم متطوعين من شيعة سورية (بالفترة الأخيرة تنازل عن شرط أن يكون المقاتل شيعياً حصراً، وأصبح يضم لصفوفه من بعض المذاهب الأخرى)، وحزب الله السوري كما حزب الله العراقي يقاتلون إلى جانب عناصر وميليشيات حزب الله اللبناني، وتشرف على تدريبهم وتقودهم في المعارك كفاءات لبنانية تتبع لحزب “نصر الله”.
خروج نصر الله على الإعلام كان متوقعاً فحجم الكارثة التي وقعت بصفوف حزبه خالفت التوقعات وأطاحت بكل الوعود والأماني التي رسمها قادة الحزب في غرف عملياتهم، والاضطرابات التي حدثت في كافة معاقل الحزب في لبنان أصبحت مقلقة وتعبر عن حالة امتعاض شديد لقرارات انفرادية أوقعت أبناء لبنان في مقتلة خدمة لتوصيات وفتاوى ولاية الفقيه في طهران.
لكن أن يعترف “نصر الله” بأن كل تمويل حزبه ورواتب مقاتليه ومأكلهم ومشربهم من حساب وأموال إيران، فهذا وضع حزب الله في خانة الأحزاب المرتزقة التي تقاتل ببندقية مأجورة مقابل المال وليس العقيدة، بعيداً عن مصلحة لبنان ومصلحة الشيعة في لبنان.
وأن يطرح “نصر الله” شعار المعركة الكبرى في حلب فهذا يأتي تحت خانة المبدأ العسكري الذي يقول: (شغل مرؤوسك أحسن ما يشتغل فيك)، أي أن عناصر حزب الله يجب أن تكون لهم دائماً مهاماً مستقبلية يعملون عليها كي لا يفكروا بالحالة المأساوية التي يعيشونها والمأزق الذي وضعتهم به قيادتهم، وخصوصاً مع حالة الفوضى التي تعيشها جبهات حلفاء “الأسد” في “حلب”، والتي أثمرت مؤخراً عن صراعات واشتباكات أوقعت الكثير من القتلى في صفوف الطرفين بعد اتهامات وتخوين تبادلتها الأطراف هناك، من أن ميليشيات “حزب الله” تدفع أثماناً باهظة من القتلى والجرحى للسيطرة على منطقة كـ”الملاح” مثلاً، فتقوم ميليشيات “الأسد” ومع معركة بسيطة، بالفرار منها والتنازل عنها لصالح فصائل “الجيش الحر”.
الاشتباكات التي وصلت لحد استخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات من قبل نظام “الأسد” ضد ميليشيات “حزب الله” وحركة “النجباء العراقية” المتحالفة معه، حاول الجميع التستر على تلك الاشتباكات واضطر ضابط “روسي” رفيع المستوى من غرفة عمليات “حميميم” بالتوجه فوراً لبلدة “نبل” وعقد اجتماع هناك، حضره معظم قادة حلفاء “الأسد” من أجل وقف هذا الاقتتال.
جميعنا أصبح على قناعة أنه وكما “بشار الأسد” لم يعد يملك أي قرار يتعلق بساحات القتال الذي أصبح يسيطر عليه “قاسم سليماني”، فإن “حسن نصر الله” أيضاً هو لا يملك قرار الانسحاب أو قرار تحديد مناطق التواجد في معارك سورية، فالآمر الناهي هو ولي الفقيه “علي خامنئي”، الذي تتصف قراراته وتوجيهاته بدرجة “الإلوهية” و”الوحي” كما قال “علي شمخاني”، منسق العلاقات السياسية والعسكرية بين ايران والعراق وسورية. ووفقاً لوكالة «رسا» للأنباء التابعة لحوزة قُم، أشار ناصر مكارم شيرازي خلال كلمته في مؤتمر «العقيدة المهدوية» الدولي، إلى التأثير الكبير لدعاء المسلمين في تعجيل ظهور المهدي إلى العلن، وأنه من غير الواضح توقيت ظهوره. وقال إن خامنئي يتواصل مع المهدي في مسجد «جمكران» في مدينة قُم بشكل وثيق ومستمر، وأن سرّ النجاحات المتتالية للولي الفقيه هو هذا التواصل والوثيق واستمراريته.
وفي السياق نفسه، صرح عضو مجلس خبراء القيادة وإمام جمعة مشهد شمال شرقي إيران، آية الله أحمد علم الهدى، أن من يقول إن الولي الفقيه ليس معصوماً، يعادي رسول الإسلام.
تلك التصريحات التي تحاول التغطية على النكبات التي أوقعتهم بها قرارات إدارة طهران ومرجعية حزب الله في لبنان، تعطي صورة واضحة عن الحالة من الارتباك وحالة الاضطراب العقلي الذي وصل إليه مخططو تصدير الثورة الإيرانية. وتعطي صورة واضحة عن المحاولات التي يبذلها هؤلاء للإبقاء على حالة الترابط والتماسك بين عناصر تلك الميليشيات وبين قادتها، حتى مع استخدام خزعبلات يدرك الجميع أنها غير قابلة للتصديق حتى من قبل حاضنتهم الشعبية.
كل المعلومات الواردة من شمال سورية لا تحمل البشرى لمحور طهران_الضاحية_الأسد، فمعارك تنظيم “داعش” في جنوب “الطبقة” أطاحت بكل محاولات الزج بمليشيات “الأسد” والقول أنها شريكة في الحرب على الإرهاب، ومقتل رئيس أركان الفرقة العاشرة اللواء “حسن سعدو” مع أعداد لا يستهان بها من ميليشيات “صقور الصحراء”، ومقتل ثلاثة جنود روس (ما تزال موسكو تنكر مقتلهم رغم تقديم تنظيم الدولة لفيديوهات توثق الحادثة)، مع اغتنام التنظيم لمستودعات أسلحة وعربات وأسلحة ثقيلة أصبحت واقعا لا يمكن إغفاله، وتلك المعارك ومع كل تلك الخسائر دفعت بمليشيات النظام إلى اندحارها خارج الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، بصفعة جديدة يتلقاها حلف طهران.
وما نالته ميليشيات “صقور الصحراء” في جنوب “الطبقة”، وقعت به ميليشيات “الأسد” وميليشيات “أحمد جبريل” من لواء “القدس الفلسطيني” في جبهة مخيم حندرات، بعد هجوم فاشل كانت الغاية منه السيطرة على المخيم، واستتباعاً لنفس المعارك التي اندلعت بوقت واحد على عدة جبهات، فقد حاولت ميليشيات محور طهران التقدم عبر جبهة “جمعية الزهراء” وحي “الخالدية” لكن سيناريو “مخيم حندرات” تمت أعادته على تلك الجبهة وما زالوا حتى الآن يقومون بعملية إحصاء جنودهم بعد أن أصبحوا إما قتيل أو جريح أو أسير أو مفقود.
من الواضح أن رسالة ثوار حلب وصلت لـ”نصر الله”، ومن المؤكد أن شعار “خيبة الأمل” يصلح لأن يكون العنوان الأبرز لتلك المرحلة بالنسبة لمحور طهران، ومن المؤكد أن حجم إجرام الطيران الروسي (في الأسبوع الماضي) واستخدامه لهذا الكم الكبير من الأسلحة حتى المحرمة دولياً جاء ليوقف تقدم الثوار على جبهات حصد رؤوس عناصر “قاسم سليماني” و”نصر الله”.
السيد ميشيل كيلو عضو الائتلاف الوطني وجه رسالة (الأسبوع الماضي) عميقة ومعبرة لـ”حسن نصر الله” يطالبه بقرار انسحاب، واعتقد أن السيد ميشيل أخطأ عندما ظن أن “نصر الله” يملك قرار الانسحاب، وكان عليه توجيهها إلى “قم” فهناك يجتمع “خامنئي” مع “المهدي المنتظر”، وهناك تتخذ القرارات.
صدى الشام