قد يبدو للوهلة الأولى أن ما نقله رفعت الأسد من محتويات خزائن البنك المركزي السوري، التي ملأها الزعيم الليبي معمر القذافي في ثمانينيات القرن الماضي، إلى منفاه بعد إبرامه اتفاقًا مع شقيقه حافظ، كفيلًا بجعله مليارديرًا في عموم أوروبا وباريس حيث اختار أن يقيم ويمضي بقية عمره.
لكن تضخم ثروة الرجل منذ تلك الحقبة وبذخه وتضاعف أعداد العاملين لحساب شركاته جعله “تحت الشبهة”، ودفع بسلطات فرنسا وقبلها إسبانيا بتتبعه وتقصي مصادر دخله، إلى أن تقرر إصدار مذكرة توقيف فرنسية بحقه بتهمة الاختلاس.
تتوزع أملاك الأسد بين بريطانيا وفرنسا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى، وتتنوع بين فنادق ومنتجعات سياحية وقصور ومنازل فارهة.
ويحظى الرجل وعائلته بمكانة، ويتصدران صفحات أبرز الصحف العالمية بسبب إنفاقه، ومنها صحيفتا “لوفيغارو” و”لوبوان” الفرنسيتان، اللتان نشرتا نقريرًا عام 1990 أكدتا فيه أن تكلفة إقامة رفعت وأولاده وحاشيتهم تناهز ستين مليون فرنك فرنسي سنويًا (قرابة عشرة ملايين دولار)، ما دفع العائلة وقتها لرفع دعوى أمام المحاكم الباريسية ضد 33 جهة إعلامية حاولت الإساءة إليه وإلى عائلته.
رفعت الأسد، الذي ينفي أن يكون قد جمع ثروته الطائلة من باريس أو من مزاولة نشاطات على أراضي فرنسا بطريقة غير مشروعة، يواجه اليوم تهمًا بالاختلاس وسرقة الأموال العامة والتهرب الضريبي، وهي تهم كافية لأن تجلب نهاية الملياردير الذي تربطه بفرنسا علاقات طيبة منذ عهد الرئيس فرانسوا ميتران، الذي منحه وسامًا بلقب “فارس”، كيف لا؟ والأسد يحمل من الأوسمة والشهادات الفخرية والجوائز التقديرية ما لم يحصل عليه أي سوري بعيد عن دائرة النظام السوري الضيقة في عهد شقيقه وبعد العام 1963.
اختلاس الأموال العامة في سوريا لقاء التسوية السياسية “العائلية” مع أخيه، حين كان الصراع على أشده بين الشقيقين على الحكم في عام 1984، لاحق رفعت الأسد في باريس، ودفع منظمة “شيربا”، وهي الفرع الفرنسي لمنظمة الشفافية الدولية، لتقديم شكوى بحقه، استجوبه على إثرها قاضٍ مالي فرنسي في التاسع من حزيران الجاري.
لكن رفعت “المتحسّس” لأي إجراء قانوني أوروبي بحقه شرع، منذ أن بدأت الأحاديث عن ثروته وأمواله تطفو إلى السطح، بالتخلص من أصوله العقارية الثمينة خوفًا من السيطرة عليها من قبل السلطات، حيث باع في العام 2013 “على عجل” قصره في العاصمة باريس مقابل 70 مليون يورو، في حين يبلغ سعر المنزل الحقيقي حوالي مئة مليون، وفق صحيفة تلغراف.
وكانت جهتان تعملان على مكافحة الفساد رفعتا شكاوى ضد الأسد في عامي 2013 و2014، وبدأت السلطات الفرنسية البحث فيما إذا كانت هناك أدلة على الفساد والرشاوى وغسل الأموال.
وواجه الأسد الادعاءات الفرنسية بالفساد العام 2014 بالقول “لا أعرف بواسطة أي أموال تم الشراء. أنا أهتم بالشؤون السياسية حصرًا. يجلبون لي الأوراق لأوقعها وأفعل ذلك. فأنا لا أعرف كيف أدفع الأموال، حتى فاتورة المطعم”.
وقدر تقرير رسمي صادر عن الجمارك الفرنسية، في 15 أيار 2014، “القيمة الكاملة للإرث العقاري في فرنسا لرفعت الأسد وعائلته، من خلال شركات في لوكسمبورغ، وغالبيتها عقاري، بنحو 90 مليون يورو”.
ويسجل التاريخ أن رفعت لعب دورًا رئيسيًا في الحياة العسكرية والسياسة في سوريا، منذ تولي أخيه حافظ السلطة التنفيذية في العام 1970. وكان ينظر إليه على أنه خليفة شقيقه في الحكم، لكن صراع الإخوة لم يقد إلى هذا السيناريو.. وكان المنفى هو الخيار.
مع اندلاع الثورة السورية، وفي محاولة “تسجيل موقف”، أعلن رفعت الأسد أنه يقف إلى جانب المعارضة السورية ضد حكم ابن أخيه، بشار، وسجل ابنه ريبال نفس الموقف، في وقت شككت أطياف من المعارضة السورية بموقف العائلة واعتبرت أن مكان رفعت المناسب هو السجن وقفص المحكمة لضلوعه في أكبر مجزرتين شهدتهما سوريا في عصر أخيه، حين كان يقود الفرقة “569” في جيش النظام السوري، ويشرف على سرايا الدفاع، وهما مجزرة حماة عام 1981 و”مذبحة” سجن تدمر الصحراوي العام 1980.
ينفي الأسد ضلوعه في أي من هذه الأحداث المأساوية، ويعتبر أن ما جرى هو “سوء فهم” وأن “سرايا الدفاع” لم تكن تابعة له، وكانت مهمتها تقتصر على على حماية المطارات والطائرات الحربية الموجودة على أرضها، ونفس الشيء الفرقة العسكرية الأخرى.
عام 1963 كان رفعت على رأس الضباط الذين تخرجوا من المدرسة الحربية، وبعد التخرج شارك في انقلاب 23 شباط 1966، والتحق عام 1969 بدورة قائد حراسة مدرعات ومشاة، ما جعله مؤهلًا لقيادة قطعات عسكرية وأولوية في صفوف الجيش.
وهو من مواليد القرداحة في 22 آب 1937، حاصل على شهادة دكتوراه في التاريخ من جامعة دمشق، وهو الشقيق الأصغر لحافظ الأسد، ورغم أنه يعيش في فرنسا إلا أنه ممنوع من السفر باستثناء رحلات قصيرة إلى لندن بقصد العلاج.
عنب بلدي