العربي الجديد – عدنان عبد الرزاق
وما سبقه عبر السيطرة بالقوة على الاقتصاد قبل ذاك، أو ما أجاد به من استقدام وتمويل الشبيحة بعده، وذلك حتى إعلان نهاية “الإمبراطورية المخلوفية” بالمطلق قبل أيام، إثر خلل مخلوف بأهم شروط أسرار مافيا الأسد، وهي إخراج ملفات الخلاف الأسري إلى الإعلام وفتح العين على الأموال المنهوبة، والتأكيد أن سورية الدولة ما هي إلا أداة لخدمة العصابة الحاكمة.
لأن رامي مخلوف، خاصة بعد موت عمته أم بشار الأسد، ومرض وابتعاد عراب النظام الأسدي، أبوه محمد مخلوف، بات مهيض الجناح ومثالاً يرمى بالواجهة، خلال أي دعاية لمحاربة الفساد، يروجها الأسد لنظامه أو تقوم بها زوجته لتلميع صورتها، أو لرمي المسؤولية عن كاهل حكومة الأسد، بعجزها أمام كفاية الشعب السوري الذي تعدت نسبة الفقر في صفوفه 90% والبطالة 84%.
وما الصفعات المتكررة لعيال محمد مخلوف، سواء بإبعاد حافظ عن “الأمن” وتهجيره إلى روسيا منذ ستة أعوام، على خلفية اتهامه بالتقصير واختراق ساحة العباسيين من “الإرهابيين”، أو بالحجز الاحتياطي على أموال رامي العام الماضي على خلفية قضايا جمركية، أو هذه الأيام بسبب تهرب ضريبي، إلا أدلة على تبدل الكتلة الصلبة السابقة بعد أن تفتت جلها وإحضار ثقات جدد حول وريث السلطة بدمشق، لضرورات محلية تخدم دعاية لا طائفية النظام، ودولية تصب في متابعة ترويج إعادة التأهيل والإنتاج.
بيد أن نقطتين هنا جديرتان بالذكر كي لا يساء الفهم، الأولى أن “مخلوف” ومنذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، هم بيت مال النظام وأداته الأولى للسيطرة على مقدرات البلاد، ولعل بمسيرة الأب، محمد مخلوف من موظف في المطار ثم مديراً لمؤسسة التبغ، قبل أن يتبوأ إدارة أهم وأكبر مصارف سورية “العقاري”.
ويتحول بعدها لـ”السمسار الحصري” و”السيد عشرة بالمئة” للقروض والاستثمارات والعقود الخارجية، قبل أن يوكل لبكره رامي مهمة المتابعة، فيؤسس ويشارك ويدير أكبر خمسين شركة ومؤسسة مالية واقتصادية بسورية، أوصلت ثروة رامي لنحو 16 مليار دولار وأسرة مخلوف لنيف و26 ملياراً.
والنقطة الأخرى، من السذاجة بأقل الأوصاف، إبعاد أو تبرئة “مخلوف” عن كل فعل إجرامي اقترفه الأسد، إن عبرهم أو من خلال سواهم من رجال أعمال وساسة، ارتضوا عبر نصف قرن، أن يكونوا واجهات و”كركوزات” لتكريس الدولة العميقة، حتى باتت سورية دولياً وليس محلياً فقط، تختصر بسورية الأسد.
لكن تلك الأدوار وعلى مآسيها، قام بها رامي وقبله أبو رامي، من قبيل “وحيٌ يوحى” وإن كان لهم مقابلها، مكاسب وأرباح وسطوة، وضعتهم في وفق ما خطط مؤسس المافيا السورية حافظ الأسد، للحد الذي ظنّ السوريون، كما يجري اليوم، أن بنهاية رامي أو الإمبراطورية المخلوفية، نهاية لنظام الأسد أو ملامح لسقوطه.
نهاية القول: بميزان الربح والخسارة، تُرى ما الذي خسره وما الذي يمكن أن يكسبه بشار الأسد من “مسرحية رامي” التي تشابه وإلى حد بعيد، “مسرحية رفعت” التي كتبها وأخرجها حافظ الأسد مطلع ثمانينيات القرن الفائت؟!
لنبدأ باحتمالات الخسارة والتي أغلب الظن، أنها الأقل.
ربما يخسر الأسد الوريث، بعض الشعبية من حواضنه، خاصة في مدن الساحل السوري، فأن يلفظ “أبو الريم” ويعرّضه لكل هذا الإذلال، فربما في ذلك عدم ثقة مستقبلية بآل الأسد، ممن كان يظن نفسه مقرباً أو صاحب نفوذ ومال، وقد تتبدى آثار فقدان الثقة إن تطورت الأحداث وتحولت لصدام أو استطلاعات رأي واستفتاء
كما يمكن اعتبار فضح أسرار الأسرة، من الخسائر التي تكبدها الأسد، فقبل فيديوهات رامي، ربما كانت الخلافات والجشع ومحاولات هيمنة أسماء الأخرس، مجرد نبوءات وتحليلات، لكنها بعد ظهور “الأستاذ” على وسائل التواصل وعرضه بخشوع وإيمان، محاولات “الآخر” قطع الشك لمن يهمه الأمر، باليقين.
وقد يمكننا إضافة تكشّف عورة الدولة وأن مخلوف والأسد هم القانون والدستور، ضمن خسائر رئيس النظام، والتي ربما تحتاج لكباش فداء كثر، كي يعود بعض الثقة، بأن ثمة قانوناً ناظماً يطاول الجميع في سورية الأسد.
وأما لجهة الأرباح أو المكاسب التي حققها وسيحققها بشار الأسد، فهي وعلى ما يبدو، أكثر من أن تعد، ربما أولها، تلك الرسالة التي فهمها رجال الأعمال والمتنفذون، بأن من لا يدفع فهو ليس أغلى وأهم من رامي، فما أقوله أو تقوله السيدة الأولى، يُنفذ ومن دون الخروج عبر “فيسبوك”، وفي ذلك تقوية لنفوذ الأسد الذي تراجع بعد تعدد المرجعيات في سورية وانقسام الجيش والأمن والاقتصاد، بين فسطاطي إيران وروسيا.
كما سيحصّل بشار الأسد بعض المال، جراء ذريعة الضرائب اليوم، أو مصادرة الأموال غداً، ما يمكن أن يمد في عمره، ولو لبعض الوقت، بعد أن أعلنت الدولة الأسدية إفلاسها مراراً وعجزها عن زيادة الرواتب أو دفع الديون لشركاء الحرب في طهران وموسكو.
ولعل الفائدة الأهم التي سيجنيها الأسد جراء قصقصة أجنحة آل مخلوف، هي بالرسالة الواضحة لروسيا وإيران، بأني لم أزل الرأس وفق النظام الذي أسسه الوالد، ويخطئ من يظن أن رامي أو غير رامي، بديل يمكن التنسيق معه أو دفعه إلى ما لا نحب ونرغب.
وأما ما قد يكون أهم مكاسب بشار الأسد خلال مرحلة شديدة الحرج، فهو رمي رامي مخلوف في وجه الشارع السوري وحتى الخارجي، ليلتهي بفصول يومية لن تنتهي قريباً، فتشغل الخارجي بإعادة الحسابات وترهب الداخلي أو تشغله عن تهالك الدولة وفقره وما ينتظره من تجويع ومآس، خاصة إن لاقى قانون “قيصر” طريقه للتنفيذ كما تلوّح واشنطن الشهر المقبل.
بيد أن كل تلك الخسائر والأرباح، هي وفي غالب الظن، مهدئات وقفز للأمام ليس إلا، إذ العامل الخارجي الدولي وحده، والصفقة الروسية الأميركية خاصة، ما سيحدد الأرباح أو يحصي الخسائر، سواء بإبقاء وريث السلطة لأجل أو الاستعجال باستئصال نظام بات حمله مرهق على حامليه.