بعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الثورة أو الأزمة السورية دون تمكن أحد الأطراف المتنازعة على حسم المعركة لصالحه، اقترحت الأمم المتحدة إجراء حل سياسي للقضية، فعملت على دعوة المعارضة والنظام إلى جنيف لإجراء مشاورات تفاوضية، لإيجاد حل مشترك للأزمة السورية.
وعلى هذا الأساس تم عقد مؤتمر جنيف الأول في حزيران/ يونيو 2012، وصدر عنه بعض القرارات ولكن لم يُسفر عنه حل جذري للأزمة السورية، وفي كانون الثاني/ يناير 2014 عُقد مؤتمر جنيف الثاني ولكن لم ينتج عنه أي حل للأزمة السورية، واستمرت الأزمة السورية على حالها دون حل دولي قوي يساهم في إيصال الأزمة السورية إلى بر الأمان، لإنهاء معاناة السوريين الذين ذاقوا الآمرين بسببها.
وعادت الأطراف المتنازعة من جديد للاجتماع في مؤتمر جنيف الثالث المُعقود في نهاية يناير من العام الجاري، ولكن هذا المؤتمر كسابقه من المؤتمرات لم ينتج عنه أي قرار حاسم لحل الأزمة.
وعبر الكثير من الساسة الفاعلين في القضية السورية عن امتعاضهم الشديد من سياسة “المراوغة” التي تتبعها الأمم المتحدة وروسيا والولايات الأمريكية المُتحدة، فيما يخص التوصل إلى حل جذري لحل الأزمة السورية.
وبدوره، اعتبر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” محادثات جنيف بالمحادثات المُخيبة للآمال، مبينًا أن البعض يهدف من خلالها إلى تخدير المعارضة وتخديرنا لتحقيق أهدافهم الغير نبيلة، ومشيرا ً إلى أن هذه المحادثات هي مجرد أسلوب مراوغة تستخدمه بعض الجهات الدولية لفسح المجال أمام خططها المضادة المتعلقة بسورية، والتي تتعارض مع المصالح القومية للشعب السوري.
ووجه أردوغان، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الأكوادوري “رفاييل فيسينت كوريا”، أثناء زيارته للإكوادور، بتاريخ 5 شباط/ فبراير 2016، انتقاده اللاذع إلى الدول التي ترعى المؤتمر، مؤكدا ً أن الحل الأمثل للقضية السورية هو القضاء على نظام الأسد وداعش وحزب الاتحاد الديمقراطي، وعلى ما يبدو أن التدخل العسكري من قبل الدول الداعمة للثورة السورية، هو الطريقة الأمثل لإتمام ذلك.
وفي إطار تعقيبه التحليلي على مؤتمر جنيف الثالث، أشار الباحث السياسي والعامل في وزارة الخارجية التركية “أفق أولوطاش” إلى أن الجميع يعلم نتائج جنيف المُخيبة للآمال قبل انعقاده حتى، وذلك لأن التجربة المُكررة لا تحتاج إلى من يناقشها ويحلل نتائجها، لو كان هناك بالفعل رغبة لدى الدول والمنظمات المُنظمة لمؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية، لتم حلها منذ عام 2012، أي قبل استحار الأزمة بهذا الشكل، ولكن يبدو أن هذه الدول كانت ترغب فقط في مماحكة حل الأزمة، رغبة في حلها عسكريا ً لصالحها.
وأوضح أولوطاش، في مقاله “لا يمكن حل الأزمة السورية سياسيا ً”، نُشر في صحيفة “أقشام” 5 فبراير 2016، أن الأزمة السورية طالت كثيرًا، ومع كل يوم تشرق الشمس عليها، تنعكس النتائج الإيجابية لصالح الأطراف المضادة لثورة الشعب السوري الذي انتفض من أجل المطالبة بالحرية والعدالة فقط، مؤكدًا أن لا حل مثالي للقضية السورية يلوح في الأفق الممكن، سوى الحل العسكري الذي يمكن أن تقوم به تركيا بالتعاون مع الدول المساندة للشعب السوري وثورته، معلا ً ذلك بانسداد الحل السياسي في ظل ممارسة روسيا لغطرستها العسكرية، وفي ظل تمادي الولايات الأمريكية المُتحدة في ممارسة أسلوب المراوغة السياسية لتشتيت تركيز المعارضة السورية المعتدلة وإنهاك قواها لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي، لكي تتمكن من تقسيم سورية إلى دويلات مفتتة.
وفي سياق متصل، أسند الباحث السياسي “محمد دوغان”، في مقاله “كسر الحصار الأمريكي على سورية”، نُشر في صحيفة “وحدة”، بتاريخ 4 فبراير 2016، ضرورة شروع تركيا وحلفائه في تطبيق الحل العسكري في سورية، إلى مباشرة الجهات المضادة للثورة السورية والمصالح الإقليمية لدول المنطقة في تطبيق خططها الخاصة بسورية والمتعارضة مع مصالح الدول المنطقة، ضاربة في عرض الحائط حساسية تلك الدول، ومشيرا ً إلى أنه في هذه الحالة يصبح ناقوس الخطر قد دق، ومجال الحل السياسي أُغلق نتيجة فتح الدول المضادة للثورة السورية باب التحدي أمام الدول الداعمة، وإن لم يتم دخول هذا التحدي بشجاعة وبسالة، فإن دول المنطقة ستعاني من اضطرابات أمنية استراتيجية تقض مضاجعها لسنوات طويلة.
ومن الجدير بالذكر أنه في ظل ارتفاع الأصوات الداعية دول المنطقة للتدخل العسكري في سورية، كحل مثالي وحيد، استهدفت تركيا السبت المنصرم، 13 فبراير 2016، عددًا من الأهداف التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في بعض المناطق المحاذية لها، لكبح تحركاته الهادفة إلى إقامة دويلة كردية متاخمة للحدود التركية، وأرسلت المملكة العربية السعودية عددًا من طائراتها العسكرية إلى قاعدة “إنجيرليك” التركية، تمهيدا ً لبدء الحرب ضد “داعش” وبعض المنظمات الإرهابية الأخرى.
ترك برس