اشتاق لضربات المعول، وحبات القمح المنثورة على تراب أرضيَ الأحمر، اشتاق إلى كل شيء في بلدي.
“أبو عبد الرحمن” من مهجري الريف الجنوبي لإدلب، هاجرَ مرغماً ومكرهاً إلى بلاد النزوح شمالَ حلب، ليعيشَ في حسرتهِ مكسورَ الخاطر.
يحكي أبو عبد الرحمن، وملامح الأسى تغلب عليه، وكأنما اجتمعت كل دموع القهر فيه عينيه “ايييه.. أين كنا وأين وصلنا؟ كنا نعيشُ ملوكاً كلٌ منا في قصره المتواضع، يعيشُ على ما يجنيه من عرقه وتعبه، واليوم ننتظر المنظمات الإغاثية لكي تطعمنا!!”
تم تسع الأرض بما رحبت أبو عبد الرحمن وآلامه، ليخرج من مخيمات النزوح شمال إدلب إلى الريف الشمالي لحلب ” لم أستطع تحمل الضغط النفسي والازدحام وشدة القهر من مناظر الآلاف القاطنة في المخيمات، خرجت وسكنت في قرية ريفية بريف عفرين، عساني أجد بعض الهدوء وراحة البال”.
قليلاً عن ذكرياته، يبكي أبو عبد الرحمن قريته الوادعة، “كنا نجتمع كالجسد الواحد، فرحاً وترحاً لا يفرقنا أي شيء، لكن نظام الأسد فرقنا، وشتت شملنا في أصقاع الأرض، كان كل شيء جميلاً حتى بدأ سواد القتل ونيران القصف طغيانها على المكان”.
“أملك أرضاً، ومنزلاً والكثير من الطمأنينة، تركتها خلف ظهري مرغماً وتركتُ بلا وطن، بلا أرض ولا أمل، كنت كلما نظرت إلى شجرات الزيتون انبعث أمل في نفسي، لكن الزيتون هنا موحشٌ لا نور فيه”.
منزلٌ مدمر وأشجار زيتون لا يعلم عنها شيء، هذا ما خلفه أبو عبد الرحمن في بلدته، حتى أن للخضار والثمر في بلدته نكهة أخرى “كنا نزرع الخضار في الصيف، من كل أصناف خضار الضيف، نعطيها وقتنا واهتمامنا، ونظل جالسين نتنعم في طعمها ومنظرها الجميل معظم الوقت، واليوم نشتري خضاراً لا طعمة لها ولا لون..!”.
“دمر منزلي ببرميل ألقته مروحية لا تعرف إلا القتل والخراب، ضاع فناء عمري، ربما هذا الطيار لا يعلم أن أصحاب المنازل التي يلقي عليها حممه تعبوا وضاع شقاء عمرهم حتى بنوا ذلك المنزل !!”.
مئات القرى، دمرتها قوات النظام وروسيا في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حماة الشمالي، في آخر هجمة للنظام أواخر عام 2019، مشتتين شمل آلاف العوائل، نحو مجمعات سكنية ومخيمات باتت تغص من كثرة ساكنيها، يأملون ويرجون نهاية تلك الحرب وعودة قريبة نحو منازلهم، رافضين كل الرفض بأن يعودوا وللنظام قدم في أراضيهم.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع
إبراهيم الخطيب