منذ أيام وبالتحديد في الثالث من هذا الشهر احتفل العالم باليوم العالمي للصحافة وأصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرها السنوي الذي يحدد ترتيب الدول في مجال حرية الصحافة وللأسف كما هو متوقع فإن الدول العربية لازالت متأخرة في مجال حرية الصحافة بل إن بعضها يحتل ذيل الترتيب مع كوريا الشمالية والصين وإريتريا.
يوضح التقرير ترتيب 180 دولة تقبع في قاعها كوريا الشمالية بينما تقاربها أغلب الدول العربية كالتالي (السعودية 166-البحرين 167-مصر 168-اليمن -169 فلسطين 170 -سوريا 171 -العراق 172)
أحياناً تحملني الذاكرة إلى مقاعد الدراسة في قسم الصحافة بجامعة دمشق حينما بدأت أولى خطواتي في مهنة صاحبة الجلالة كما يسميها البعض.. أستذكر كيف كان القسم حديث النشأة لا يحوي أي تجهيزات إعلامية ولا كوادر خبيرة بل إن مبناه الأساسي لم يكتمل بعد؛ فكنا نشد رحالنا تجاه “الهناكر” وهي مباني لا تصلح للتعليم بل أقرب إلى المستودعات .. حال قسمنا يحاكي الصحافة حينها ولا يزال يحاكيها اليوم ..تبعية مطلقة للمسؤول وقطيعة مطلقة مع المواطن ترويج دعائي لأنشطة الحكومة وقوالب جاهزة للأخبار مملة إلى حد الغثيان.. يسخر أحد القرّاء بأنه كان يفاضل بين الصحف بقوة امتصاصها للماء عند المسح.
هذه الصورة الهزلية لما يسمى الإعلام كانت هي السائدة فلم تفلح الكليات والمؤسسات التي أنشأتها الدول العربية من أن ترفع مستوى حرية الإعلام لأنها لازالت ترى الإعلام كما كان يراه وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز قائم على مقولة (اكذب واكذب حتى تصدق كذبك).
لم يخرج الإعلام العربي من وصاية الأنظمة بل اجتهد في إرضائها على حساب الشعوب وغدت أمنية الصحفي أن ينال رضى المسؤول ويروج له بل في كثير من الأحيان يتحول الصحفي إلى “ملكي أكثر من الملك” ويسدي النصائح للنظام في ظلمه وقمعه للحريات تحت مسميات الوطنية والثوابت والمقاومة.
لم تتأسس الصحافة بشكل علمي في المجتمعات العربية لأنها لم تشهد الظروف الموضوعية كما في الدول المتقدمة ولم يكن لها رواد يمكن الرجوع إليهم يصححون من توجه الإعلام ويكبحون تدخل المسؤولين فيه بل على العكس استطاعت الأنظمة الشمولية العربية أن تدجّن الصحافة كما دجنت جميع الفعاليات المجتمعية وجعلتها في خدمة الهدف الأسمى البقاء في الحكم رغم الهزائم والنكسات والنكبات التي عصفت بالدولة والمجتمع.
في عيد الصحافة نتوجه بالتحية للأقلام النظيفة على قلتها التي لازالت تحمل همّ الناس وتراهم وليس الحاكم الجدير بالاهتمام ومحور العمل الصحفي.
محمد مهنا-مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع