ذا ناشيونال — كشف استطلاع للرأي شمل 1,100 من السوريين أن 97% ممن هُجِّروا إلى أوروبا يشعرون بالاستقرار، فيما يعاني 34% منهم في تركيا، و9% آخرون في لبنان من النقيض تماماً.
يرغب معظم المهاجرون السوريون بالعودة إلى منازلهم. في حال لم تتحسن الظروف، سيخاطر القليلون منهم فحسب بالاتجاه عكساً نحو بلدهم الذي مزقته الحرب، وفقاً لمنظمة حقوق مدنية قاعدية.
حيث صرحت الرابطة السورية لكرامة المواطن (SACD)، في تقرير لها صدر في 21 تموز / يوليو، أنه طالما عجِز السوريون عن العودة، زاد احتمال بقائهم كلاجئين بشكل دائم، ما من شأنه أن يهدد كل الآمال التي تترقب حل دائم لنزاع التسع سنوات الدائر في ديارهم.
فيما يصّر الكثير منهم أنهم سيعودون يوماً، يُظهر الاستطلاع الذي شارك فيه 1,100 لاجئ سوري أن 73% سيعودون لو كانت الظروف مواتية؛ فيما حسم 80% رأيهم بأن على الظرف الأمني أن يتغير لتصبح العودة ممكنة.
مخاوف أمنية
هذا وقد أشار التقرير، وعنوانه “نحن سوريا”، أن مصير تسعة ملايين لاجئ سوري على الأقل، من الراغبين بالعودة، “أساسي لتحقيق استدامة أي حل سياسي مستقبلي، من شأنه أن يضع نهاية للنزاع وأن يضمن سلاماً مستمراً ومستقراً”.
وأضافت الرابطة أنه عند تطبيق هذه المقاربة على إجمالي عدد اللاجئين السوريين، أي حوالي 13 مليون، يتضح أن أكثر من تسعة ملايين شخص سيمارسون حقهم في العودة الآمنة والطوعية والكريمة إلى منازلهم في سوريا.
نزح أكثر من نصف سكان البلاد منذ عام 2011، ولكن على الرغم من تدهور ظروف العديد من السوريين في مخيمات اللاجئين والمجتمعات المضيفة، التي تشهد نسب مرتفعة من العدائية، فإن جزءاً صغيراً فقط من السوريين قد وفدوا عائدين إلى منازلهم في السنوات الأخيرة.
“إننا نخاطر برؤية اللجوء يترسخ، ويصبح دائماً؛ وهو ما سيترتب عليه عواقب مدمرة لملايين السوريين وأيضاً للمنطقة وما يقع خارجها، وما سينتج عن ذلك من لا استقرار ودوائر عنف دائمَين” قالت المتحدثة باسم الرابطة هيا أتاسي.
“وهو ما يستدعي الحاجة المُلّحة لحل سياسي شامل يضمن حقوق جميع اللاجئين السوريين بموجب ضمانات دولية قوية” أضافت أتاسي في حديثها لـ “ذا ناشيونال”.
يشير البحث إلى أن 97% من اللاجئين السوريين في أوروبا يشعرون بالاستقرار، في تناقض واضح لما يشعر به السوريون في الدول المضيفة الأخرى، بما في ذلك لبنان وتركيا، حيث أدى تصاعد العداء تجاه اللاجئين “الذين يُنظر إليهم على أنهم كبش فداء سهل لمشاكل سياسية واقتصادية داخلية” إلى تفاقم حالة عدم الأمن التي يعانون منها.
فقد أدت الرواية السياسية المتغيرة في تركيا، والتي تستضيف أكبر عدد من السوريين، إلى انخفاض بنسبة 34% في عدد اللاجئين الذين يقولون إنهم يشعرون بالاستقرار هناك.
في لبنان، يشعر 9% فقط من اللاجئين بالأمان؛ وهي حالة نجمت عن مزيج من الظروف المعيشية الصعبة والعقبات البيروقراطية؛ التي تجعل من الحصول على وضع قانوني والوصول إلى فرص تعليم، عمل، وخدمات صحية أمراً مستحيلاً.
“الحياة في لبنان صعبة للغاية … بدأ الناس يفقدون صوابهم جراء الإساءة والإذلال” تحدث ماهر، 33 عاماً، للباحثين.
فيما روى خالد، 26 عاماً، شاب سوري آخر التقى به الباحثون لغرض الاستطلاع، أنه اضطر للتخلي عن دراسته الجامعية. “ناهيك عن المخاوف الأمنية؛ يرجح أن السلطات اللبنانية ستقوم بتسليمي للنظام دون أي رادع، ببساطة لأنني أعمل” أضاف خالد.
تم توثيق المخاطر التي يواجهها عدد قليل ممن أجبروا على العودة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد في تقرير نشرته الرابطة هذا العام.
أظهرت الدراسة الأخيرة، أن المسائل الأمنية تشكل أكبر مخاوف المشاركين في الاستطلاع، حيث أشار 73% منهم إلى ضرورة إخضاع الأجهزة الأمنية لإصلاحات، وكذلك الحد من السلطة التي تمارسها على حياة المدنيين.
هذا وتبقى الخدمة الإلزامية عقبة أساسية تمنع الكثير من الشبان، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و الـ 42 عاماً، من العودة. فيما كان مصير المعتقلين في سوريا أولوية لـ 64% من اللاجئين السوريين.
حيث يقبع ما لايقل عن 130000 من المعتقلين في سجون النظام لأسباب سياسية، فيما تقدر بعض الدراسات أن الرقم هو الضعف. بينما تتحدث عائلات المغيبين في منظومة السجن التابعة لنظام الأسد، عن الهم، الرشاوي، والتعذيب. هذا وقد علمت بعض العائلات مؤخراً فقط عن موت أحباء لها، بعد أن انتشرت صور لأشخاص عذبوا وقتلوا في مراكز الاحتجاز لدى النظام على وسائل التواصل الاجتماعي. صور عادت للانتشار بعد تطبيق قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”؛ فيما يتجاوز استمرار الاعتقالات “مراسيم العفو” العديدة، تاركاً الكثير من الأشخاص عرضة للخوف من أعمال انتقامية إذا ما عادوا بالفعل. فهد، 65 عاماً، من مدينة اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، قال إنه عاش حياة جيدة قبل الحرب، لكنه أخبر الباحثين أن عائلته عانت الكثير منذ ذلك الحين. يعيش فهد اليوم في تركيا، ويقول إنه لن يعود أبداً إلى سوريا في ظل نظام الأسد. “لا أثق ولا أؤمن بالحلول الجزئية، العفو الكاذب، أو أي ضمانات دولية إضافية. لن يكون هناك سلام أو هدوء طالما بقي النظام، أو جزء صغير منه حتى” أضاف فهد.
أكد أكثر من 81% ممن شملهم الاستطلاع على أن “رحيل النظام بكافة شخصياته الرئيسية” شرط أساسي للعودة إلى سوريا. فيما يشهد المهجرون داخلياً، وهم شريحة تشكل نحو 50% من أصل 13 مليون سوري أجبروا على مغادرة منازلهم منذ عام 2011، ظروفأً مستمرة في التدهور.
حيث ترك انهيار الاقتصاد الكثيرين دون خدمات أساسية، فيما بلغت المخاوف أشدها من تفاقم عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في بلد دمر فيه الصراع نظام الرعاية الصحية.
هذا ويستمر النزوح، حيث أجبر أكثر من مليون شخص على الفرار من منازلهم في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، بسبب هجوم النظام على البلدات التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب وشمال حلب.
يعاني العديد ممن فروا الآن من ظروف صعبة في مخيمات مؤقتة على الحدود التركية ويعتمدون على المساعدات لكي ينجوا. فيما أشارت أتاسي أن القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي هذا الشهر بإغلاق أحد المعبرين الحدوديين المتبقيَين، اللذَين تنقل من خلاهما المساعدات، من شأنه أن يجعل وضع المهجرين أكثر سوءأً.
وأضافت أن “قد يدفع ذلك الناس إلى اليأس فيما يتعلق بالعودة، ولكن حتى في مثل هذه الظروف، فإن الغالبية العظمى لا تريد الذهاب إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، خوفاً من القمع والانتقام”.
يقول بعض السوريون أنهم لن يعودوا إلى سوريا أبداً، من بينهم أولئك الذين يتحملون الظروف القاسية في مخيمات النزوح شمال حلب، حيث يعتقد 14% منهم أن متطلباتهم لعودة آمنة لن تتم تلبيتها.
فيما يعاني آخرون من صدمة شديدة بسبب الأهوال التي شهدوها في سوريا تمنعهم من التفكير في العودة إلى ديارهم. “لا أريد العودة إلى المكان الذي أُعدم فيه زوجي أمام عيني، إلى حيث اضطهدت أنا وأطفالي … لا أستطيع العيش هناك مرة أخرى” تقول زهرة، 50 عاماً، التي هربت من منزلها في حلب إلى تركيا.
نقلا عن اورينت نت