لماذا يعد تنظيم الدولة في العراق وسوريا أفضل في الدعاية من الولايات المتحدة؟ يجيب عن هذا التساؤل ويليام ماكانتس وكلينت واتس في تقرير نشره موقع “ديلي بيست” الأمريكي، مشيرين إلى أن دعاية التنظيم ليست محصورة في الإنترنت، ولكن لديه مجلة “دابق” التي تقرأ في أنحاء العالم كله.
ويقول الكاتبان إن “إدارة أوباما تقول إن نجاح تنظيم الدولة يعود إلى مهارته في استخدام التكنولوجيا، التي رفعت من موقع التنظيم الإرهابي إلى ظاهرة إعلامية دولية إرهابية. وقد ذهب الرئيس أبعد من هذا إلى القول إن منفذي هجوم باريس هم (حفنة من القتلة الماهرين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي)”.
ويضيف الكاتبان: “رغم ما يقدمه التنظيم من منشورات ومنتجات إعلامية دعائية متقدمة، إلا أن واحدا من أهم إصداراته هو مجلة (دابق)، التي يقرأها عدد من القراء، وإن لم يكون عددهم كبيرا، إلا أنهم يترقبون قراءتها، ويتوزعون على أنحاء العالم كله. وهؤلاء يشعرون بالبهجة من الأخبار التي تحملها المجلة، عن التقدم الذي يحققه الجهاديون في ساحات المعارك، وتثير حماسهم قصص المقاتلين الذين يرغبون بتقليد نموذجهم، وهم، أي القراء، يحاولون البحث عن دور يؤدونه في الدراما الدينية المقدسة، التي تتكشف أمام ناظريهم”.
ويتابع الكاتبان بأن “المحللين والصحافيين يقرأون المجلة بالكثافة ذاتها التي يقرأها أتباع التنظيم. وعادة ما تنقل محتويات عدد جديد من أعداد المجلة وموضوعاته على صفحات مراكز الأبحاث، وتضمن في تقارير الصحافيين. وليس عجيبا هذا الاهتمام كله، فالمجلة تقدم أخبارا عن نشاطات وأهداف التنظيم، وتعد صورة عن حاله، وتحتوي على قصص عن الأشخاص المرتبطين بالنشاطات، وتعلن عن التطورات الكبيرة التي اتخذها قادته، وتقدم معلومات ثرية لا يستغني عنها الباحث كل شهرين”.
ويتساءل الباحثان: “هل تستطيع التفكير بمطبوعة أمريكية واحدة أصدرتها الحكومة الأمريكية تنافس مطبوعة تنظيم الدولة، وتقدم معلومات ضده؟ مطبوعة فيها معلومات مهمة، وتقرأ بشكل موسع، وهل هناك مطبوعة تخبرنا عن القصص التي تبث كلها؟ ومن يقوم بالقتال ميدانيا؟ وما هو التقدم الذي حققه التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ولماذا يهمنا هذا كله؟ ولماذا لا نكون قادرين على إصدار شيء كهذا؟”.
ويقول الكاتبان: “هذا ما جعلنا نفكر: لماذا لا تقوم الحكومة الأمريكية بإصدار مطبوعة مثل (دابق)؟ غياب الخيال هو الجواب. فمجلة جديدة ليست فكرة إبداعية. كان لدى المسؤولين في الحكومة الأمريكية الكثير من الأفكار التي ينقصها الإبداع، ومعظمها تشرك التكنولوجيا ذات الأصوات المزعجة. لو فكرت بها فقد فكروا بها، مثل حملة وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة التطرف بين الشباب”.
ويعتقد الباحثان أن “المعوق الحقيقي الذي يقف أمام الولايات المتحدة هو الحكومة ذاتها. فالجهاز التنفيذي فيها هو عبارة عن بيروقراطية معقدة، تحتوي على إجراءات قانونية، وهي حساسة للنقد من الإعلام والكونغرس، وهو ما يعقد الجهود لنشر مطبوعة مثل (دابق)”.
ويقول الكاتبان: “من أجل أن تعرف ما نعني أنظر إلى أهم موضوعين في (دابق) لترى ماذا سيحصل لو قامت الحكومة الأمريكية بتقليدهم”، أي الجهاديين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن المجلة تحتوي أولا على تقارير العمليات؛ ففي كل عدد تقدم مجلة “دابق” تفاصيل عن الهجمات التي قامت بها ضد أعدائها، ففي العدد (12) قدم تنظيم الدولة تقريرا عن جهوده للسيطرة على القاعدة العسكرية في دير الزور السورية، وفي تقرير آخر وصف هجمات ضد الحملة التي تقودها السعودية في اليمن، وفي كل تقرير ينشر التنظيم صورا بعضها مروع.
ويذكر الموقع أن “الولايات المتحدة عادة ما تنشر تقارير، ولكنها تكون للاستهلاك المحلي، وعندما تقع في يد الكونغرس أو الإعلام، فإنها تثير نقدا ومشاكسات. فلو طلب الرئيس من حكومته تقريرا عن الهجمات، فستحدث (خناقة) بين وزارة الخارجية والدفاع، حول من سيقوم بنشر التقرير. وستخوضان حربا مع الوكالات الأمنية حول التقرير الأمني، الذي يجب تضمينه في التقرير، وهل سيناقض التقرير هذا ما يصر عليه الرئيس بأن تقدما تحقق على الأرض ضد تنظيم الدولة؟ وهل سيؤثر هذا على قدرة الجيش العراقي؟ وهل يحمل التقرير معلومات كثيرة يمكن للعدو الاستفادة منها؟ وهل الصور التي يحملها تظهر الجنود الأمريكيين بأنهم أشرار؟ وهل سيتم نقد هذا التقرير من الإعلام؟ وهل سيثق الناس بأي شيء نقوله؟. ومن هنا فعندما يخرج شيء من القناة المعوجة للحكومة، فإنه تافه ولا قيمة له”.
ويلفت الباحثان إلى أن “الأمر الثاني هو قصص المقاتلين، ففي معظم الأحيان يقدم تنظيم الدولة قصصا عن الجهاديين، وبينهم شباب ماتوا وهم يقاتلون على خطوط النار في سبيل قضية التنظيم. وفي أحيان أخرى يقدم المقاتلون قصصهم وعلاقتهم مع المقاتلين. واحتوى العدد الثامن مثلا على مقابلة مع مقاتل أعدم سياسيا، وهو معروف في تونس”.
ويعلق الكاتبان بأن “الجيش الأمريكي كان يقوم بهذا من قبل، لكن بعد الحرب في العراق، التي كانت واضحة وعملا كبيرا، توقف عن فعل هذا. فهوية الجنود الأمريكيين في العراق وسوريا تظل سرا؛ لأن الحكومة لا تريد تحولهم وعائلاتهم إلى هدف. ولا ترغب الولايات المتحدة منهم بالحديث عن بطولاتهم وقتلهم؛ حتى لا يثيروا غضب الرأي العام الأمريكي. ودون قصص شخصية لم يبق لدينا سوى طائرات تئز في السماء، وضجيج الضباط الذين يتحركون في أروقة البنتاغون، حيث يتم تقليص الخسارة الإنسانية الفادحة لمجرد أرقام تظهر على شرائح مصورة، وهو ما يعني أن الأمريكيين لن يعرفوا عن الثمن الحقيقي للحرب، ولا يعرف الأجانب أيضا عن التضحيات التي تقدمها أمريكا في هذه الحرب”.
ويورد التقرير أن “البعض قد يرى أن على الولايات المتحدة ضبط نفسها، وألا تتحدث عن الحرب والعنف؛ حفاظا على مشاعر الرأي العام. وإذا كان هذا هو الحال، فعليهم ألا يشتكوا عندما تقوم الحكومة بتوضيح الحرب بطريقة غامضة جدا، وهناك من يريد إصلاحا في طريقة إرسال الحكومة رسائلها للرأي العام، وإن كان هذا هو الحال، فلا تقترح تغيير النظام أولا. ولكن أطلب من النظام بأن يقوم بمهمة بسيطة، وهي التي وصفناها، وعندها ستعرف ما ستصلح”.
ويخلص االكاتبان إلى القول إن “إصدار مجلة جديدة ليس هو الحل التكنولوجي الأمثل الذي تريده الحكومة، وذلك بناء على الحج الذي قام به مسؤولو الأمن لوادي السيلكون، وإعادة تشكيل حملة الرسائل التي تقوم بها وزارة الخارجية ضد التنظيم. ولو كنت بيزنظيا/ جدليا، فإن الحكومة الحساسة من استطلاعات الرأي لا تقوم بعمل أساسي، ولن تقوم بأداء المهمة عندما يطلب منها عملها بطريقة معقدة، مهما كان حجم التكنولوجيا التي تستخدمها”.
عربي 21