أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بخصوص إقامة مناطق آمنة في سوريا، لغطا كبيرا، خاصة وأنه يأتى بعد أيام قليلة من مؤتمر عقد في العاصمة الكازاخية أستانة جمع بين النظام السوري وفصائل المعارضة برعاية روسيا وتركيا وإيران.
وينقسم المحللون بين قائل بوجود اتفاق مسبق بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة بشأن إقامة هذه المناطق وأنها لا تتعارض مع عملية السلام المطروحة، وبين رأي يعتبر أن هذه الخطوة في حال نفذت فإنها ستعيد خلط الأوراق مجددا على الساحة السورية، وأيضا على مستوى العلاقة بين تركيا وروسيا التي شهدت انتعاشة في الفترة الأخيرة.
وقال ترامب، مساء الأربعاء، إنه “سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا” لحماية الأشخاص الفارين من العنف هناك.
وأوضح ترامب في مقابلة أجرتها معه محطة “إيه.بي.سي نيوز”، أن أوروبا ارتكبت خطأ جسيما باستقبال الملايين من اللاجئين السوريين ومن مناطق اضطراب أخرى بالشرق الأوسط. وأضاف “لا أود أن يحدث ذلك هنا”.
وواجهت دول أوروبية، العام الماضي، حشودا من اللاجئين، الأمر الذي دفع بعض تلك الدول إلى إغلاق حدودها، فيما واجهت أخرى ضغوطا أمنية واقتصادية شديدة.
ومن المتوقع أن يأمر ترامب وزارتي الدفاع والخارجية في الأيام القادمة بوضع خطة لإقامة “المناطق الآمنة”، وفق وثيقة اطلعت عليها وكالة رويترز الأميركية.
وإقامة مناطق آمنة قد تزيد من التدخل العسكري الأميركي في سوريا ويمثل انحرافا كبيرا عن نهج أوباما. وإذا قرر ترامب فرض قيود “على الطيران” فوق هذه المناطق، فقد يتطلب زيادة في حجم القوة الجوية الأميركية أو القوة الجوية للتحالف. وقد يتطلب هذا أيضا نشر قوات برية لتوفير الأمن.
ويحذر مسؤولون عسكريون أميركيون من أن إقامة مناطق حظر طيران داخل سوريا ستتطلب عددا كبيرا من الموارد الإضافية بخلاف القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وسيكون من الصعب ضمان أن المتشددين لا يخترقون تلك المناطق.
وسبق أن تعهد ترامب في حملته الانتخابية بإقامة مناطق آمنة في سوريا وأن يتم تمويلها من دول المنطقة.
وبدت ردود الأفعال حيال تصريحات الرئيس الأميركي حذرة، فروسيا على سبيل المثال أعلنت عدم علمها بخطط إقامة مناطق آمنة، وأنه لم يجر أي تنسيق مع الجانب الأميركي حولها، محذرة في الآن ذاته من عواقب الأمر على الوضع السوري.
وفي المقابل، رحبت تركيا بحذر بالتصريحات الأميركية، وقالت، الخميس، إنها ستدرس عن كثب المشروع.
وبدا أن تركيا لا تريد إزعاج حليفها الروسي، وفي ذات الوقت تريد أن تقدم إشارات إلى الجانب الأميركي بأنها مستعدة للتعاون في هذا الاتجاه.
ومعلوم أن أنقرة أول من طرح فكرة إقامة مناطق آمنة في سوريا وذلك في العام 2011، وقد أيدتها دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا، فيما رفضت الإدارة الأميركية مجاراتها في ذلك.
وكانت المنطقة الآمنة، التي تطمح أنقرة إلى تركيزها على طول حدودها بغرض توفير مركز انطلاق لفصائل المعارضة السورية في مواجهتها مع النظام وأيضا مكان يأوي إليه الآلاف من اللاجئين، أحد مسببات التوتر في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، ولكن بخطوة الرئيس الجديد فإن ذلك قد يعني إعادة تذويب الخلافات بينهما.
وربما يفتح الباب على تعاون وثيق بين الجانبين، بالتأكيد سيكون المتضرر منه الجانب الروسي، الذي استثمر جيدا التوتر بينهما في الملف السوري.
وقال العميد إبراهيم الجباوي المنشق عن الجيش السوري لـ“العرب” إن “العرض الأميركي بالتأكيد سيعيد خلط الأوراق بين أيدي اللاعبين في الأزمة السورية”.
وأضاف “ستضطر بعض القوى الدولية (روسيا أساسا) إلى محاولة التسريع بإيجاد حل يتوافق مع مصالحها قبل إنشاء تلك المناطق كي لا تخسر ما اكتسبته من انتصارات وهمية كانت نتيجة قتل الأطفال والنساء وتدمير البنى التحتية”.
وحتى تنجلي أهداف الإدارة الأميركية وخطواتها في سوريا، تواصل تركيا تعاونها الوثيق مع الطرف الروسي، حيث أعلنت ضم جبهة فتح الشام إلى قائمة التنظيمات الإرهابية، تمهيدا لعملية عسكرية ضده.
وأعلنت أحرار الشام أحد أكبر الفصائل في الشمال، والمقربة جدا من أنقرة عن انضمام 5 فصائل إليها لمواجهة هجمات فتح الشام، بعد أن هاجمت الأخيرة جيش المجاهدين (أحد فصائل الجيش الحر) وسحقته.
العرب اللندنية