“إن من المهم تطهير المنطقة من المنظمات الإرهابية” كان آخر تصريح لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قبل انطلاق عملية العسكرية “درع الفرات” فجر الأربعاء 24 آب/ أغسطس 2016.
بعد منح البرلمان التركي الحكومة صلاحية اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحد من أشكال المخاطر الأمنية والتهديدات الإرهابية للأمن القومي التركي، وإرسال القوات المسلحة التركية إلى دول أجنبية من أجل ذلك في إطار القانون الدولي. وبعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا في السنتين الأخيرتين، وارتفاع المخاطر والتهديدات على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، حيث قامت قوات حماية الشعب الكردية بالسيطرة على مدينة منبج وريفها، وسعيها لطرد تنظيم داعش من مدينتي الباب وجرابلس لسيطرة عليهما، وقيام هذا الأخير بتفجيرات إرهابية بعدة مدن تركية، اخرها التفجير الهمجي الذي استهدف حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب والذي خلف مقتل 51 شخصا جراء الهجوم وإصابة 69 آخرين.
وبعد إزالة التوتر الروسي التركي بعد زيارة الرئيس التركي الطيب أردوغان لروسيا بداية هذا الشهر، نفذت القوات الخاصة التركية ومجموعة من قوى المعارضة السورية المسلحة عملية “درع الفرات” العسكرية، والتي استهدفت تنظيم داعش الإرهابي بمدينة جرابلس أولا، في الانتظار طرد قوات حماية الشعب التابعة لحزب “بي يي دي” الإرهابي.
هذه العلمية كانت ترجمة للتفاهمات التي أبرمتها أنقرة مع موسكو وطهران في الأسبوعين الماضيين، وفي يوم وصول نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى أنقرة، كرسالة لأمريكا بأن تركيا قادرة على حماية أمنها القومي وحدودها الجنوبية بعد أن خاب أملها في منبج، وتأكدت بأن وعود أمريكا كوعود عرقوب مجرد سراب، وأن الإدارة الأمريكية تحرص على مصالحها ومصالح حلفائها الحقيقين فقط، في الحين تتجاهل ومنذ 2011 المصالح التركية وأمنها القومي.
فاستخدمت تركيا حقها في حماية أمنها القومي وحق الدفاع عن النفس الواردين في ميثاق الأمم المتحدة كاستثناءين من منع استعمال القوة ضد وحدة دولة مستقلة سياسيا.
تركيا تعرف خطورة مثل هذه العملية العسكرية، والتي قد تورطها في المستنقع السوري وتستنفذ ما تبقى من قوتها وقوة جيشها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة والعلميات العسكرية اليومية ضد تنظيم بي كي كي الإرهابي.
لكنها تسعى لاستغلال موضع القوة التي خرجت به بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في مقابل الإدارة الأمريكية، والتي أحرجتها تركيا عبر التصريحات القوية والجريئة التي تبين انحياز الولايات المتحدة للانقلابين، ومطالبتها المستمرة برأس الانقلاب “غولن”، كما تستغل فرصة المصالحة مع روسيا والتقارب مع إيران في حماية حدودها الجنوبية والتضيق على المنظمات الإرهابية هناك، وتقديم الدعم العسكري واللوجستيكي لقوى المعارضة بحلب وريفها.
عملية درع الفرت أعطت ثلاث إشارات مهمة وهي:
الأولى: أن تركيا عازمة على تفعيل نفوذها في سوريا والقيام بدور أكبر في حلحلت الملف السوري، حسب ما جاء في تصريحات عدة قادة أتراك، وخاصة رئيس الوزراء بن علي يلدريم، ومحاولة الخروج من العباءة الأمريكية في الملف السوري، واستغلال ظروف ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة على صعيدين المحلي والإقليمي.
الثانية: محاولة منع كقيام كانتون كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا، والتضيق على حزب قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب “البي يي دي”، وكذلك طرد تنظيم داعش عن الحدود التركية إلى الرقة وما بعدها.
الثالثة: قد يكون تحرير مدينة جرابلس وقرها بداية إنشاء منطقة أمنة بشمال السوري بتوافق تركي روسي إيراني، كنوع من الرفض للخطط الأمريكية- الصهيونية لتقسيم سوريا إلى كانتونات، ومؤشر على التحول التركي من الغرب إلى الشرق ولو مؤقتا، بعد المواقف المخزية التي صدرت من حلفائها الغربيين وخصوصا الولايات المتحدة بعد المحاولة الانقلابية في منتصف الشهر الماضي.
عملية درع الفرات كعملية عاصفة الحزم باليمن، هدفها تدارك ما فات من التماطل في حماية الأمن القومي التركي، وتقديم العون لثورة السورية والثوار في التعجيل بإسقاط النظام عبر الضغط عليه ومنعه من محاصلة حلب وريفها، بوابة تركيا على الشرق الأوسط.
على تركيا استغلال رياح البَليل- الريح الباردة ذات الندى- التي تهب عليها هذه الأيام، في إيصال سفنها إلى بر الأمان، فلا أظن أن التفاهمات التركية الروسية الإيرانية ستدوم طويلا، لأنها تصب في صالح النفوذ التركي بسوريا والمنطقة على حساب النفوذ الروسي والإيراني، لذا فالتوازن في علاقات تركيا الخارجية مهم، وتحالفها مع أوروبا وأمريكا وحلف الناتو شر لابد منه.
ترك برس