دخل مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين في أتون الصراع السوري مبكراً كونه يقع في المدينة التي اندلعت منها شرارة الثورة السورية في 18 مارس/ آذار 2011. وكان دور أبناء المخيم لافتاً في مساعدة أهالي درعا خلال المرحلة السلمية من الثورة طوال الأشهر الستة الأولى، من خلال إيواء المطلوبين وتقديم المساعدات الإنسانية. وهو ما تسبب بنقمة النظام على المخيم الذي بات في دائرة الاستهداف بعد انتقال الثورة إلى المرحلة العسكرية، خصوصاً أنّه يقع بين منطقة درعا المحطة ومخيم النازحين السوريين، ما جعله ممراً إجبارياً لقوات النظام المنطلقة لقمع المحتجين في مخيم النازحين أو في منطقة طريق السد.
تعرّض المخيم، الذي يقع في القسم الشرقي من منطقة درعا المحطة، والقريب من نقاط التماس المباشرة مع مواقع قوات النظام لعمليات تدمير منهجي. فتلك القوات تتمركز على بعد مئات الأمتار منه، وتقصفه بشكل شبه يومي، ما تسبب بتدمير هائل لمنازله وبنيته التحتية، يقدّر بأكثر من 80 في المائة، وتهجير معظم سكانه إلى أماكن مختلفة داخل سورية وخارجها.
وقد ساعدت طبيعة بيوت المخيم المتلاصقة وأزقته الضيقة وكثافة سكانه، في تشكيل مخابئ
مثالية للمطلوبين في بداية الثورة السورية. وكان المخيم من أوائل المناطق في محافظة درعا التي سيطرت عليها قوات المعارضة بعد تمكنها من الاستيلاء على حاجزي المخفر والتموين في المنطقة. كما لجأت إلى المخيم الكثير من عائلات أحياء درعا بعد تعرّض مناطقها للقصف.
وبسبب الطبيعة المذكورة للمخيم، كان من الصعب على قوات النظام اقتحامه إلاّ بعد عمليات تدمير واسعة للأحياء الخارجية منه، من خلال القصف المدفعي والصاروخي والجوي، وبعد مقاومة عنيفة من عناصر المعارضة الذين دافعوا عن المخيم وأهله بشراسة، ليقتل الكثير منهم، فيما اعتقل آخرون، عدا عن إحراق منازل ومحال تجارية.
وقد وثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية” مقتل نحو 230 من أبناء مخيم درعا، فيما قدّر ناشطون العدد بنحو 600 قتيل وأكثر من 400 جريح، فضلاً عن نحو 250 معتقلاً.
بالإضافة إلى القصف المدفعي والجوي، يحاصر قنّاصة النظام المخيم، فيترصدون من بقي في المخيم على مدار الساعة. قتل هؤلاء العديد من الأهالي، خصوصاً مع صعوبة إسعاف المصابين جراء استهداف القناصة مجدداً لأيّ حركة تصدر من أزقة المخيم.
تشير الإحصاءات إلى أنّ نحو 65 ألف نسمة كانوا يقيمون في المخيم قبل الثورة، من بينهم نحو 4500 أسرة فلسطينية. لكن، مع القصف المكثف للمخيم، غادر معظمهم ولم يبق اليوم سوى 514 أسرة، منها 264 أسرة فلسطينية فقط. ويقدّر عدد جميع من بقوا في المخيم من فلسطينيين وسوريين اليوم بـ1200 شخص فقط.
وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين في عموم محافظة درعا يبلغ نحو 25 ألف نسمة، يعيش 17 ألفاً منهم في مخيم درعا، و3 آلاف في مخيم المزيريب، و2000 في مخيم جلين، في حين يتوزع الباقون على المناطق الأخرى.
يعاني الأهالي الصامدون في مخيم درعا من أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة بسبب افتقادهم معظم الخدمات الأساسية، خصوصاً الكهرباء ومياه الشرب منذ نحو ثلاث سنوات. ويعتمد الأهالي على الصهاريج الزراعية لتأمين مياه الشرب، بسبب تدمير الشبكة الرئيسية للمياه في المخيم، وهي مياه ذات مواصفات سيئة، تتسبب بكثير من الأمراض للسكان مثل الإسهال واليرقان، فضلاً عن سعرها المرتفع.
كما يفتقر المخيم إلى نقطة طبية بعد تدمير قوات النظام للمراكز الصحية والمشافي الميدانية. ولا وجود لمخبز فيه، بعدما أوقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) جميع الخدمات التي كانت تقدمها لأهالي المخيم.
كذلك، يعاني المخيم من مشاكل بيئية- صحية، كانتشار القمامة وتكاثر القوارض والحشرات. يجري رفع القمامة مرة كلّ 10 أيام من خلال الدفاع المدني الذين يتخلصون منها بواسطة الحرق، وهو ما يسبب روائح كريهة وحالات اختناق خصوصاً لمرضى الربو.
حالياً، تتولى الهيئة العامة للخدمات المدنية في مجلس مدينة درعا الحرة (معارضة) مسؤولية تقديم الخدمات في مخيم درعا وحيّ طريق السد وأحياء منطقة درعا البلد، لكنها تعاني من صعوبات عديدة بسبب ضعف الإمكانيات المادية والتجهيزات.
في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة، غادر معظم الأهالي إلى مناطق أكثر أمناً، فيما وجد كثيرون من بينهم طريقاً إلى خارج البلاد، خصوصاً في اتجاه أوروبا. من جهتها، تمنع السلطات الأردنية دخول اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن، وقد أعادت الكثيرين ممن حاولوا العبور.
العربي الجديد – عدنان علي