لم تقتصر الملفات التي تناولتها زيارة نتانياهو الى موسكو على تقييم المرحلة المتقدمة التي بلغتها العلاقات الثنائية والرغبة في تعميقها، بل تخطتها خصوصاً الى الملف السوري، حيث قدم بوتين تعهدات وضمانات لطمأنة ضيفه الى أن «سورية الأسد» التي ترعاها موسكو وتدعم استمرارها، على رغم انحسارها الى دويلة، ملتزمة تماماً أمن إسرائيل ومستعدة لشطب كل تاريخ العداء لها، بعدما كان الأسد مضطراً الى تبنيه شكلاً في ظل سورية الموحدة، ويلعب عليه لتبرير تدخلاته العنيفة في الشأنين الفلسطيني واللبناني وابتزاز باقي العرب.
وكان التعبير الرمزي عن هذه الضمانات جاء في قرار بوتين إعادة دبابة إسرائيلية غنمها جنود سوريون في معركة بمنطقة السلطان يعقوب اللبنانية خلال الأيام الأولى من الغزو الإسرائيلي في 1982، من دون أن يصدر عن دمشق أو حلفائها، وبالأخص «حزب الله» وإيران، أي تعليق أو تعقيب، وكأن الأمر يخص موسكو وحدها، بعدما نقلت إليها الدبابة لعرضها في متحف عسكري.
لكنّ في إعادة الدبابة معانيَ أخرى، بينها أن بوتين الذي حصل على اعتراف واضح من الأميركيين بشرعية «حصته» في سورية، ينظر الى هذا البلد، نظاماً وجيشاً وشعباً، نظرة استعلاء تنكر عليهم أي دور يخرج عن التبعية المطلقة، أو مجرد التفكير فيه، ساعياً الى دفن أي ذكرى مرتبطة بالحقبة السوفياتية التي يفضل القفز فوقها في إطار توقه الى إحياء روسيا القيصرية.
فهو يتصرف على أساس انه تدخل عسكرياً في سورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مقابل تسليم كامل بقيادته للمعركة التي يشنها لأهداف ذاتية ضد باقي الأطراف جميعاً من دون تفريق. وحرص منذ «استدعائه» الاسد الى موسكو على جعل هذا المعطى واضحاً في أذهان الجميع، فهو الذي يقرر مواعيد التدخل ووسائله، ومتى يرسل طيرانه وينشر جنوده، وهو وحده الذي يملك أمر تخفيف هذه القوات أو تعزيزها، ولا يعبأ حتى شكلاً في إشراك حاكم دمشق في قراراته، لأنه يعلم أساساً أن النظام الأسدي منذ قيامه قبل 45 عاماً يفعل الشيء نفسه مع شعبه، وأن روسيا تشكل خشبة الخلاص الأخيرة التي تبقي هذا النظام على قيد الحياة.
ويعتقد بوتين أن أحد الشروط الرئيسة لاستمرار «الدويلة الأسدية» تخلصها من الحاجة الى التلطي وراء شعارات القومية ومحاربة إسرائيل، لأنها بذلك تستطيع أن تلتف على مقاطعة الأميركيين والأوروبيين وتحافظ على رضى الإسرائيليين الذين يترجمونه رفضاً قاطعاً لاستبدال النظام. وبكلام آخر عمل بوتين على تمديد اتفاق الدعم المتبادل بين إسرائيل ونظام الأسد الذي صاغته الولايات المتحدة، لكن برعاية موسكو هذه المرة.
وفي مقابل «حق التصرف» الروسي هذا، يستطيع بشار الأسد أن يواصل تحدي شعبه أولاً، والعالم كله ثانياً، وادعاء أنه لا يزال ممسكاً بالأوضاع في سورية، فيستعرض عضلاته أمام «مجلس المصفقين» الذي عينه أخيراً، ويكرر بهوراته عن «تحرير كل شبر» من سورية. لكن اللافت أنه لم يذكر إسرائيل ولو مرة واحدة في خطابه، وكأنها لا تحتل الجولان ولا تنتهك سيادة بلده تكراراً وليس بينه وبينها «صراع وجود» طالما تشدّق به. وفي ذلك ما يُسّر بوتين ونتانياهو اللذين كانا اثناء إلقائه كلمته يتبادلان الأنخاب في الكرملين.
الحياة – حسان حيدر