داريا من أولى المدن الثائرة التي هتفت ضد النظام، وخرجت نصرة لدرعا، لا تجد اليوم من يؤازرها وينتصر لها. تعاني مدينة داريا من حصار تفرضه قوات النظام منذ العام الثاني للثورة في 2013 حيث طبق عليها الحصار من جميع الاتجاهات ومنع دخول المواد الطبية والغذائية إليها.
يعيش داخل الحصار ما يقارب الـ 2500 عائلة من سكان المدينة الأصليين بعد أن خرج كثير من سكانها هرباً من مداهمات النظام في عام 2012، يعاني المحاصرون من فقدان كافة أسباب الحياة اليومية: بلا ماء ولا كهرباء وشح كبير بالغذاء نتيجة صعوبة الزراعة والقصف المتواصل على المدينة. لم تدخل داريا أي هدنة مع النظام سوى مرة واحدة دخل إليها النظام بحجة التصوير والخروج مقابل وقف القصف وفتح الطريق لدخول المواد الغذائية لكن سرعان ما نكس النظام بهدنته.
طوال الأعوام الأربعة الماضية عاش المحاصرون في داريا على التقشف بالطعام فلم تعد هناك الوجبات الثلاث التي يناولها أي إنسان يعيش خارج الحصار واعتمدوا على الوجبة الواحدة أو الاثنتين خاليه من الدسم والفيتامين. بدأ النظام في تشرين الثاني 2015 حملة عسكرية جديدة على المدينة مستخدما تكتيكا جديدا سماه (قضم الجسد). يعتمد هذا التكتيك على التقدم التدريجي حيث يحشد النظام كل إمكانياته في منطقة محددة فيقصفها بالبراميل المتفجرة والمدفعية وغارات الميغ لتدمير كل ما يوجد على سطح الأرض، ثم يرسل آلياته وعناصره للتقدم على الأرض.
قصف النظام المتواصل المدينة بالبراميل المتفجرة وصواريخ الأرض-أرض لم يثنِ شبابها وثوارها عن الدفاع عنها رغم كثافة النيران والقذائف، بل وقفوا صامدين كل هذه السنوات لم يستطع النظام دخولها، وسميت مدينة داريا بـ”أيقونة الثورة” نتيجةً لصمودها الأسطوري وبسالة شبابها في الدفاع عن مدينتهم رغم استخدام نظام الأسد الأسلحة الثقيلة والقنابل المحرمة والصواريخ الفراغية التي غيرت معالم المدينة ودمرت بنيتها التحتية.
يحاول النظام في كل مرة اقتحام المدينة والسيطرة عليها لكنه يعود عند كل محاولة يجر ذيل الخيبة والهزيمة نتيجةً لصمود الثوار، داريا التي دافع عنها أبنائها يعود إليها النظام اليوم مصطحباً معه ميليشاته من حزب الله اللبناني وميليشات إيرانية وعراقية و(لجان التشبيح اللاوطنية) يصر اليوم على اقتحام المدينة مستعيناً بالقصف العنيف دون توقف من الصواريخ والبراميل المتفجرة استطاع اليوم التقدم بعمق 500 متر وعرض 350 مترا محتلاً الأراضي الزراعية التي تساعد المحاصرين بالتخفيف بعض الشيء من الحصار المفروض عليهم.
يقول الصحفي السوري حسام محمد “أن روسيا ومن خلفها نظام الأسد يسعون إلى حرب غذائية في عموم الريف الدمشقي، الهدف من حملتهم على مزارع داريا والسيطرة عليها هو تجفيف مصادر الغذاء التي تعدّ العامل الأساسي في صمود داريا ومن قبلها صمود معضمية الشام و الزبداني لسنوات، تجفيف المصادر الزراعية يعني مساعي روسية إلى نشر الأمراض والأوبئة في هذه المناطق، وإجبار مقاتليها على قبول الهدنة مع النظام، ومع السيطرة على هذه المزارع يعني فقدان مقومات الحياة، الأمر الذي يؤدي إلى إجبار أهلها على قبول الهدنة مع النظام، وبالتالي تحييد هذه المناطق عن الثورة المسلحة ضد نظام الأسد”.
وأضاف محمد “أعتقد أن الأمور تتجه اليوم نحو اتفاق تهدئة بين النظام وروسيا مع ثوار داريا، لعلم الجانب الروسي بمدى قوة الجيش الحر بالقتال داخل المدن لذلك ربما ستكون المجريات الراهنة نحو اتفاق تهدئة بين الجانبين اتفاق ربما سيرى النور رغم تعنّت الفرقة الرابعة برفض أي اتفاق تهدئة مع ثوار داريا، إلا أن التوقعات تشير إلى التدخل الروسي الذي له تأثير كبير في سورية وخاصةً على نظام الأسد.
وفي ظل الحصار الشديد المفروض على المدينة وانقطاع طرق الإمداد عن الثوار والمحاصرين داخل مدينة داريا لن يكون أمام الفريقين إلا التفاوض والدخول في هدنة يقبل بها الطرفان، فمن جهة النظام لن يجر عناصره للدخول في حرب شوارع يخسر بها أعداداً كبيرة من عناصره وعتاده ومن جهة الثوار أنهم يريدون حماية أهلهم ومدينتهم ومنع وصول النظام إليهم”.
أما الوضع الانساني في داريا فيعاني أكثر من 8000 محاصر في المدينة من ظروف معيشية بالغة الصعوبة، فالخدمات الأساسية من كهرباء وماء واتصالات مقطوعة بالكامل منذ عام 2012، والوضع الغذائي يزداد تدهورا خاصة بعد فصل داريا عن معضمية الشام.
وزاد في المعاناة الغذائية القصف المتعمد للمناطق الزراعية ثم سيطرة النظام على معظم تلك الأراضي ما اضطرت كثيرا من الأسر إلى النزوح الداخلي ضمن المدينة نتيجة تقدم قوات النظام أو تكثيف القصف على بعض القطاعات وفقاً للمجلس.
ومن الجدير بالذكر أن المساعدات الغذائية دخلت في شهر حزيران بعد أكثر من ثلاثة أشهر من وقف الأعمال القتالية متضمنة مساعدات دوائية وغذائية جزئية لا تكفي حاجة المحاصرين في المدينة باعتراف الأمم المتحدة نفسها ولم تتكرر تلك المساعدات حتى الآن. ما يزال الجيش الحر في المدينة يدافع عنها ويبذل جهده في منع تقدم قوات النظام، في ظل خذلان محلي ودولي للمدينة وأهلها الذين يعانون من استمرار القصف والمعارك وتردي الوضع الإنساني لا سيما بعد خسارة المناطق الزراعية. ويُخشى أن تركز المحاصرين في منطقة محدودة من الأبنية السكنية المدمرة سيؤدي إلى زيادة حجم الضحايا نتيجة تركيز القصف عليها، إضافة إلى تدهور الظروف المعيشية المتسارع فيها.
لن تسقط داريا بإذن الله لكنها تعيش منذ أشهر ظروفا معيشية وعسكرية مأساوية وتُدفع دفعاً إلى خيارات صعبة تُفرض عليها.. ويحاول النظام جاهدا استكمال السيطرة عليها مستغلا حالة الشلل السياسي وغياب المؤازرة العسكرية.
عمر محمد – المركز الصحفي السوري