فالاعتراض على الأحكام القضائية له قنواته القانونية الخاصة ولا يشبه الاعتراض على القرارات السياسية. ومن غير المألوف في أميركا أن يلجأ رئيس البلاد الذي يفترض أنه حامي الدستور والقوانين، إلى توجيه انتقادات علنية ومباشرة لأحكام قضائية صادرة عن المحاكم الفدرالية. بهذا المعنى، سيكون لتهجم ترامب العلني على القاضي روبرت تداعيات كبيرة، وستفتح عليه جبهة جديدة ومواجهة مفتوحة مع السلطة القضائية في الولايات المتحدة.
ولا يخفي خصوم الرئيس الأميركي مراهنتهم على القضاء والمحاكم لإلحاق الهزيمة به وإبطال شرعية رئاسته. وقد تراكمت الدعاوى القضائية ضده حتى قبل وصوله إلى سدة الرئاسة، بدءاً من دعاوى تتعلق بالفضائح النسائية والاتهامات بالتحرش التي وجهت إليه، إلى قضايا التهرب الضريبي، وصولاً إلى الطعن بنتيجة الانتخابات الرئاسية والتحقيقات الجارية في قضية التدخل الروسي وعمليات التجسس الإلكتروني التي استهدفت الحزب الديمقراطي وحملة كلينتون الانتخابية. ولا شك في أن الضربة التي تلقتها إدارة ترامب بإبطال قرار حظر دخول الولايات المتحدة على رعايا سبع دول، ستفرض على الرئيس الجديد مراجعة جذرية لطريقة الحكم التي اتبعها منذ وصوله إلى البيت الأبيض وإعادة قراءة موازين القوى في واشنطن.
وبات من الواضح أن إدارة ترامب تخوض معركة خاسرة بكل المعايير وعليها إجراء مراجعة سريعة للتداعيات الداخلية والخارجية التي تسبب بها قرار المنع بدءاً من حركة التمرد الداخلي في وزارة العدل والمؤسسات القضائية الأميركية إلى التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدن الأميركية، وصولاً إلى الأضرار البالغة التي ألحقها القرار بعلاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي وموجة الاستنكار الدولي التي فجرها هذا القرار العشوائي. ولا يوجد خيار آخر أمام إدارة ترامب سوى التراجع عن قرار حظر دخول المسلمين وإلا فإن أزمة الحكم التي تواجهها ستتفاقم.
وبعد أسبوعين فقط من تسلم ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض، يبدو جلياً أن السير قدماً في تنفيذ الشعارات التي رفعت خلال الحملة الانتخابية من بناء الجدار مع المكسيك إلى إلغاء “أوباما كير” ومحاربة فساد الطبقة السياسية في واشنطن، وصولاً إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، كلها شعارات مستحيلة بالمعنى السياسي ولا يمكن تنفيذها. أما إصرار إدارة ترامب على تحقيق هذه الأجندة الانتخابية، دون النظر إلى التداعيات والفوضى السياسية التي تتسبب بها في أميركا والعالم، سيؤدي إلى أزمة دستورية كبيرة في البلاد، وسيكون لأخصام ترامب في الشارع وفي “الإستبلشمنت” وأجهزة الاستخبارات والإعلام والقضاء، الكلمة الفصل فيها. ولا يستبعد أن يؤدي ذلك إلى وضع نهاية قريبة جداً لولاية ترامب الرئاسية والخروج مبكراً من البيت الأبيض، لتكون ولايته الرئاسية من أقصر الولايات الرئاسية في تاريخ الولايات المتحدة.
العربي الجديد