صرخت بأعلى صوتها سلمى (15 عاماً) من ريف حماه “أسرعوا يا إخوتي إلى حفركم الترابية.. لقد أقلعت طائرة الموت كما صّرح على القبضة.. ها هي قادمة نحونا.. يا رب اكفنا شرها كيفما تشاء”.
هذه هي حال أغلبية الأهل في مدينة كفرزيتا بريف حماه بعد أن أعيتهم حيل الهروب من قصف طائرات النظام التي لا ترحم وتقصف الشجر والحجر والبشر وكأنها تتوعد لمن بقي من الأهل في تلك المنطقة “الموت للجميع”.
حملت سلمى أصغر إخوتها “مراد” بحنية الأم المفقودة وبسرعة تشبه البرق وبيدين تعلوان وتدنوان من الأرض، حيث رمت بأخيها في حفرة أعدت مسبقاً من أب بكى طويلاً وهو يحفرها وكأنه يحضر قبور أبنائه، لكن ما من وسيلة أخرى، فالموت الفردي أرحم بكثير من فقدان العائلة بأكملها، وخصوصاً بعد أن فقد زوجته في نفس الظروف.
تتفقد سلمى الحفر الأخرى بعيون حائرة ولسان يقول “الله يحميكن يا رب.. قنا شر تلك الطائرة .. احمي إخوتي وأبي، لم يبق لي سواهم فهم بالنسبة لي كالماء ..في الحياة”.
لم تكن عائلة سلمى الأسرة الوحيدة التي لجأت للحفر الفردية خوفاً من استهداف الطيران للمدنيين، فأغلب الأهالي ألقوا بأبنائهم بحفر مشابهة، ولسان حالهم يقول قد ننسى من يشاركنا الضحك.. لكن لن ننسى من شاركنا البكاء.
وماهي إلا لحظات علا صوت هدير الطائرة بعد أن أفرغت حمولتها في منطقة قريبة معلنةً انفجاراً قوياً هز المنطقة وتساقطت حبات التراب على من كان في الحفر، خرج الأهالي بلسان شاكر الله على سلامتهم وسلامة أبنائهم.
مشت سلمى بخطا بطيئة وهي تحمل الطفل الصغير “مراد” وتقبله قائلة “الحمد لله لا تبكي يا صغيري سأنظف لك وجهك البريء من التراب لتعود مشرقاً كما عادت دقات قلوبنا”
بضحكة متقطعة نظرت إليها جارتها الجدة قائلة “ستحتاجين لوحاً من الصابون وقلبا حنونا لتنظفي إخوتك.. رحم الله والدتك على عدد حبات تربتها، وينتقم لها ولنا من الظالمين”.
دمدم والد سلمى بصوت منخفض وحزين “في وضح النهار يعرف الأبناء حفرهم وتكون المهمة أسهل لقلبي الحزين.. أما في سواد الليل وهم نيام يصعب إيقاظهم ورغم أن جسدي ينام، لكن العقل عندي لا ينام ويستيقظ القلب وتبدأ المأساة”.
هكذا هم السوريون من وجع إلى وجع، لم يستطع الكثير منهم النزوح ورفضوا الفكرة متمسكين بالأرض، حفروا المغاور والكهوف لتكون منازلهم الجديدة، فكانت في بعض الأحيان قبوراً جماعية، أنهيت فيها حياة أبرياء كما حدث في “الهبيط” 25 مدنياً استشهدوا جراء القصف بالبراميل، حيث دفنوا وهم أحياء
مما دفع الآخرين لحفر حفر فردية علها تكون حالات موت أفراد لا جماعات.
عادت سلمى لتعيش في منزلها حياة تأقلمت عليها ولسان حالها يقول “نحن نعيش أقوى أنواع التحدي.. تحدي الموت أو الحياة.. لكن لن نيأس مع الأمل وحب البقاء لأجل من نحب”.
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد.