جورجي دوفت – روسيا وراء العناوين – ترجمة وتحرير ترك برس
اتفقت موسكو وأنقرة على أن اغتيال السفير الروسي في تركيا كان عملا إرهابيا. إذا كان الهدف من الاغتيال زعزعة عملية المصالحة التي بدأت بين البلدين، فإنه أدى إلى عكس ذلك: التضامن بين البلدين في مواجه عدو مشترك، ومواصلة الجهود لتسوية الصراع السوري. قتل منفذ عملية الاغتيال سيعقد التحقيقات. من يقف وراء القاتل البالغ من العمر 22 عاما الذي خدم في قوات الشرطة التركية؟ هناك عدة نظريات:
النظرية الأولى فتح الله غولن
النظرية القائلة بأن مسلحين مرتبطين بالداعية فتح الله غولن يقفون وراءالاغتيال تزداد قوة في تركيا. يعيش غولن في منفى اختياري في الولايات المتحدة.
اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، غولن بأنه المحرك للمحاولة غير الناجحة لإسقاط حكومته في الصيف الماضي، ويعد غولن “العدو الرئيس للشعب”. ومن الشائع ربط العديد من مشاكل الحكومة بعد الانقلاب بغولن. بدأ أردوغان عملية تطهير واسعة النطاق داخل البلاد شملت الأجهزة الأمنية.
ومع ذلك لا يمكن لأي عملية تطهير أن تكون فعالة 100%، ولا يمكن عزل الجميع. من بين مدبري الانقلاب كان هناك بالفعل أناس يتحدثون عن انتهاج أنقرة خط أكثر تشددا في سوريا، وبالتالي ضد روسيا والأسد. ومن الواضح أنهم لم يرغبوا في التعاون الروسي التركي، ومن الممكن أن يكونوا قد وجهوا ضربة لها. والأهم من ذلك أنهم لم يعجبهم الطريقة التي تصرفت بها تركيا عندما انتقلت السيطرة الكاملية عمليا على حلب إلى القوات السورية المدعومة من روسيا.
ثمة أسباب للاعتقاد بأن موسكو وأنقرة قد توصلا إلى تفاهم، وإن كان غير رسمي، يتعلق بتحديد مجالات المسؤولية في سوريا. وفي إطار هذا التفاهم غير الرسمي خفضت تركيا من مستوى الدعم الذي تقدمه للمعارضة السورية التي تقاتل الأسد في شرق حلب. وربما ساعد هذا الأسد على السيطرة على المدينة، في حين حاول المقاتلون وعائلاتهم والمدنيون مغادرة المدينة من ممر إنساني. لا تحتاج أنقرة إلى هزيمة كاملة للمعارضة، لأنهم سيفيدونها في تعزيز مصالحها في سوريا “بعد الأسد”.
النظرية الثانية: المتطرفون الإسلاميون
قد يؤدي التعاون المحتمل بين أنقرة وموسكو إلى تعاون أكبر في بناء نظام ما بعد الحرب في سوريا. لكن هذا السيناريو قد لا يروق للإسلاميين الآخرين، بمن فيهم المرتبطون بجماعات المعارضة. وربما شعر فصيل من الإسلاميين بخيانة تركيا فقرر ضرب روسيا والمصالحة الروسية التركية في وقت واحد.
من الممكن أن تكون قوى إسلامية أخرى وراء الاغتيال، مثل الجماعات المرتبطة بجبهة النصرة أو أحرار الشام، ذلك أن التدخل الروسي الإيراني أعاق تقدم هذه الجماعات، وفي هذا الصدد فمن الممكن وليس من قبيل المصادفة، أن العمل الإرهابي دبر عشية الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في موسكو في محاولة لتقويض الاحتماع. وثمة احتمال أن تكون قوى مقربة من داعش وراء القاتل أيضا.
النظرية الثالثة: الذئاب المنفردة
هناك صيغة أكثر بساطة تقول إن الاغتيال من الممكن أن يكون عملا لذئب منفرد أو مجموعة صغيرة من الإرهابيين الإسلاميين.
صارت الجماعات الإرهابية التي تتكون من شخص إلى ثلاثة أشخاص (وهم أساسا انتحاريون يتم تلقينهم الأيديولوجية المتطرفة) نشطة في العديد من البلدان في الآونة الأخيرة، ومن الممكن أن يكون اغتيال السفير واحدا من هذه الحالات.
قد يكون القاتل البالغ من العمر 22 عاما قد تحرك عاطفيا بفعل تقارير وسائل الإعلام عن عمليات روسيا والأسد في شرق حلب. تحدثت تقارير وسائل الإعلام التركية أيضا عن عمليات القتل، وازدادات تغطيتها عندما شن الجيش العراقي والميليشيات الشيعية والكردية عملية عسكرية واسعة النطاق لتحرير الموصل من داعش. تحدثت وسائل الإعلام بقوة عن القصف البربري لشرق حلب، والخسائر الكبيرة في صفوف السكان، لكنها صمتت صمتا تاما عن الوضع نفسه في الموصل حيث عدد السكان أكبر، والصراعات العرقية أكثر حدة، وأعمال داعش أكثر وحشية. وتحت تأثير هذا التغطية الإعلامية قرر القاتل “الثأر لحلب”.
النظرية الرابعة: الأكراد
نظرية وقوف الأكراد وراء الاغتيال ممكنة أيضا، فالأكراد ينتقمون من أنقرة على كل ما يحدث في شمال تركيا، بعد أن فرضت منطقة محظورة على المناطق التي حررها الأكراد من داعش.
ومع ذلك فإن هذه النظرية هي الأضعف، فمن الصعب أن نتصور أن شخصا مرتبطا بالأكراد يمكن أن يكون ضابط شرطة تركي.
النظرية الخامسة: عملية للناتو
وأخيرا هناك نظرية أخرى مجنونة، إذ يؤكد بعض السياسيين الروس أن اغتيال السفير ربما كان عملية سرية لحلف شمال الأطلسي.
بالنسبة إلى روايات التجسس فهذا الاتهام اتهام متقن، لكنها نظرية مثيرة للسخرية مثل نظرية “انتقام أوباما من بوتين”. على أن هذه النظريةـ إذا أخذت على محمل الجد للحظة وحدة، تؤدي إلى سؤال بسيط: لماذا يحتاج الناتو إلى مبرر للحرب مع روسيا؟ إذا كان الاغتيال مبررا بالفعل للحرب.