د. محمد مرعي مرعي – المركز الصحفي السوري
أدرك حافظ الاسد بعد استيلائه على السلطة في سوريا عام 1970 أن استمرار حكمه وأسرته سيتحقق بالتغيير الديمغرافي وتبديل هوية المدن الكبرى و البلدات المحيطة بالقطعات العسكرية .
لذلك اختار، في فترة حكمه وفعل الأمر نفسه وريثه من بعده، شخصيات إمعات وانتهازية لتنفيذ تعليماته بحذافيرها دون تفكير أو وعي مقابل السماح لها بنهب وسرقة ما تطاله أياديها من أموال وعقارات وثروات متنوعة ، وتمثلت أدوار تلك الشخصيات المرتزقة القادمة من قاع المجتمع السوري بتولي إدارة مجالس المحافظات والمدن والبلدات لفرض مخططات تنظيمية على سكان تلك المدن تحت وصاية أجهزة الأمن المختلفة . وشرعت تلك المجالس وشخصياتها الفاسدة منذ عقد 1970 بتوسيع المخططات التنظيمية للمدن من الجهة الغربية في كل مدينة للقادمين من الغرب من أبناء الطائفة العلوية ولبناء مستوطنات على شكل حزام أمني عسكري سيكون دوره القتل والجريمة والنهب بحق سكان المدن الأصليين حين يأتي الوقت .
هكذا ، تم بناء أحياء بأكملها في مدن دمشق ( حي تشرين ، عش الورور ، سفوح قاسيون ، وادي المشاريع ، المزة 86 ، السومرية ، الديماس ، الهامة ، مساكن العرين ، …) والأمر نفسه في حلب ( الحمدانية ، الزهراء ، … ) وفي حمص ( النزهة ، الزهراء ،… ) وحماه ودرعا وادلب ودير الزور والرقة والحسكة ، إضافة إلى إحاطة مدن الساحل من الشمال والشرق والجنوب من قبل تلك المستوطنات كون البحر يمنع البناء من الغرب . استمرت تلك السياسة في التخطيط العمراني بغية التغيير في بنى التخطيط المديني طيلة 30 سنة من سلطة حافظ الأسد ودعمها بنقل سجلات الأحوال المدنية للمستوطنين الجدد خفية وبشكل بطيء ومتدرج دون أن يلفت ذلك انتباه العامة من الشعب والفئات المتعلمة والمثقفة .
ومع بدء سلطة الوريث ، تصرف منذ اللحظة الأولى بأنه ورث مزرعة ولا قيمة لكل سكان سوريا لديه لأنهم أجراء من طرف وبيده سلطات موروثة تحكمها أجهزة الأمن والجيش بشكل مطلق من قبل أبناء طائفته ومرتزقة قليلة من أبناء مكونات الشعب الأخرى تدين بالولاء المطلق لسلطته. وشرع بشار الأسد بالتغيير السكاني علانية إذ سمح لأبناء طائفته بنقل سجلات الأحوال المدنية من مدنهم وقراهم إلى المدن السورية مع ترك الفرصة لقلة قليلة لكن بضبط شديد لبعض أبناء مكونات الشعب السوري الأخرى من نقل سجلات أحوالهم المدنية للمدن التي يسكنون فيها كي لا تظهر للعلن وبشكل مفضوح النزعة الطائفية لذلك التغيير الديمغرافي الطائفي . ساعد في ذلك أتمتة أعمال السجل المدني التي قادها اللواء محمود علقم معاون وزير الداخلية الأسبق (من وادي بردى) الذي كان طالبي يدرس دبلوم تخصص في الإدارة والذي دعاني لزيارة مشروع أتمتة السجل المدني الذي كان يديره وحين زيارتي لاحظت أن غالبية الموظفين الذين تم اختيارهم في أبناء الطائفة العلوية إضافة ألى ان اللجنة التخصصية في الأتمتة كانت في غالبيتها منقاة من أبناء الطوائف الصغيرة مع قلة من مرتزقة أبناء الغالبية السنية
وكانت الأفعال مدروسة بعناية ، وأوحيت ذلك للواء علقم ولم يرد حينها، وبعد انتهاء مهمة تأسيس المشروع انتقلت إدارته إلى العميد حسن الجلالي الطائفي المولد والسلوك الذي كرّس نزعة طائفية مطلقة في إدارة سجل الأحوال المدنية وفرض على مديريات سجلات الأحوال المدنية شخصيات طائفية في غالبية المحافظات السورية كي يتم استكمال عمليات التغيير الديمغرافي في المدن السورية وتحقق خلال إدارته نقل سجلات أبناء الطائفة العلوية من جنود قطعات الجيش وعناصر الأمن إلى المدن التي يعملون بها وترك الحرية للضباط بالبقاء في سجلاتهم السابقة كي لا تتضح للعلن خطط التغيير السكاني . وبعد أن أنجز الجلالي مهمته تم نقله محافظا على محافظة الرقة ونال بقدر الله في حياته ما فعلته أياديه بعد احتلال داعش للمدينة.
هكذا، إن تغيير هويات الطيارين القتلة وضباط الأمن والجيش وعناصر النهب وقتل الثوار والشبيحة ومرتزقة المجوس الشيعة ومنحهم هويات سكان أبناء المحافظات السورية من مكونات الشعب الاخرى ، هي عملية استكمال لسياسة ممنهجة اتبعها حافظ الأسد ثم وريثه، وشاركهما فيها مرتزقة من أبناء فئات المجتمع السوري الأخرى لقاء مزايا مرحلية ، ولا ترتبط تلك الأفعال الاجرامية لتغيير هوية وبنى المجتمع السوري بما بعد ثورة الشعب فقط بل هي خطة مورست طيلة 40 عاما بشكل متدرج ووصلت إلى العلن بعد الثورة السورية.