تميز نظام الاسد الطائفي المزركش ببعض المهرجين من طوائف ومكونات المجتمع السوري خلال عقوده الأربعة، داخلياً بسياسة النفس القصير تجاه الشعب ومطالبه بالتغيير، حيث كان الحسم الأمني العنيف سيد الموقف عند أي محاولة اعتراض لفرض أي تغيير في الواقع الذي أسس له حافظ أسد بدقة، الأمر الذي قطع أي أمل في التغيير وجعل مجرد ذكره من المحرمات، وهو ما يبرر حالة الموت التي غيبت أي صوت فكر بالتغيير طيلة عقود سابقة.
تنازلات في كل القضايا
فيما اتسمت سياسة النظام خارجيًّا بالنفس الطويل وتلطى خلف شعارات كثيرة زائفة، كان أبرزها المقاومة والممانعة لإسرائيل التي مثلت بوصلته الرئيسية خلال لعبه في الميادين المحلية والإقليمية والدولية؛ حيث أخفى من خلال هذا الشعار سياسة التنازل التي اتبعها في علاقاته مع الشرق والغرب وإن كانت بدرجات تبعاً للقضايا المطروحة في أي عملية تفاوض، حيث كانت تجري لها بروبغاندا تمجد رئيس النظام ودفاعه عن الحقوق الوطنية والقومية الثابتة!
وبرزت تنازلات النظام واضحة وجلية في القضايا التي كان من شأنها المس بالمنظومة الحاكمة رغم محاولاته المفضوحة لإخفائها كما حدث عقب التهديد التركي باجتياح سوريا مما اضطر رأس النظام حافظ اسد إلى استجداء الرئيس المصري حسني مبارك لزيارة تركيا ونزع فتيل الاجتياح التركي مهما كلف الأمر، وإيفاد رئيس جهاز الأمن السياسي اللواء عدنان بدر حسن إلى تركيا لتقديم الموافقة المفتوحة على كل الطلبات التركية ، وبالفعل تم التنازل في عدة قضايا فاجأت الجانب التركي كان على رأسها طرد عبدالله أوجلان من سوريا وإغلاق كل معسكراته وتقديم معلومات عن وجهة أوجلان المقبلة، وأيضاً الرضوخ للتهديدات الأمريكية وفتح المنشآت العسكرية في كل سوريا أمام مفتشي الأمم المتحدة دون قيد أو شرط وبزمن قياسي فاجأ الجميع.
و أيضًا استجابة بشار اسد المذلة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 القاضي بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، حيث التزم بشار اسد بالقرار في شهر آذار 2005 ونفذه في شهر نيسان من نفس العام.
الاستثمار في عامل الوقت
كان الوقت من أهم العوامل التي يأخذها النظام باعتباره في عملية التفاوض، فإذا لامست القضية المطروحة أو أدت بشكل ما إلى المس بالمنظومة الحاكمة فإن الوقت مهم جدًا ويجب استثمار كل ثانية في عملية التفاوض للانتهاء وبأسرع وقت ممكن من هذه القضية ولو تطلب الأمر التنازل في قضايا تعتبر في صلب الأمن القومي للبلد، المهم أن يبقى النظام محافظًا على وجوده واستمراره فيما تعمل بروبغاندا النظام وشقيقاتها الموالية له عربيًًا وإقليميًّا على ترقيع تلك التنازلات بشكل مفضوح وتحويلها إلى انتصارات كبيرة وعظيمة تصور رئيس النظام خلالها كبطل قومي، أما إذا كانت القضية لا تؤثر على كيان النظام واستمراره فإن الوقت غير مهم ويُغرق النظام الطرف الآخر بتفاصيل التفاصيل وقضايا لا قيمة لها على هامش الموضوع ومطالبات بأخذ الوقت للتشاور والدراسة والبحث يرافق ذلك بروبغاندا عن بطولات المفاوضين خلال تنفيذهم لتوجيهات رئيس النظام في الدفاع عن القضية المطروحة التي يعتمد النظام في تحجيمها وتضخيمها على نوع المفاوضين وسرية القضية أو علانيتها كما في حصل في مراحل عدة من الثورة السورية حين قزّم النظام ثورة شعبية عظيمة لم يشهد التاريخ الحديث بمثلها إلى مجرد أزمة داخلية ومؤامرة خارجية وفوض وزير الخارجية بترؤس الوفد المفاوض إلى جنيف معللًا ذلك بأن القضية من اختصاص وزارة الخارجية لأن المشكلة مع أطراف خارجية مُعتدية على سوريا.
أنواع المفاوضين
أما نوع المفاوضين فيتحدد بنوع القضية المطروحة حيث ينقسم مفاوضو النظام ومبعوثوه إلى قسمين حسب تركيبة النظام الطائفية المغلفة بالتعددية الشكلية:
ـ قسم موالي للنظام اعتقادًا (أي من طائفة النظام) ودائمًا يكون هذا النوع مختص بالقضايا الأمنية والعسكرية كالتسليح وغيرها من القضايا التي تمس الدولة الأمنية والاقتصادية للمنظومة الحاكمة والتي أنشأت على غرار دولة الحرس الثوري الايراني وإن بشكل غير رسمي وغير مُعلن وتخضع مفاوضات وعلاقات هذا النوع من المفاوضين للسرية المطلقة ويكون التواصل مع رئيس النظام مباشر.
ـ قسم موالي للنظام خوفًا أو طمعًا بمكسب سلطوي أو مادي وغالبًا ما يكون هذا النوع من المفاوضين من غير طائفة النظام لإبراز التعددية في مفاصل الحكم وعملية اتخاذ القرار ولكن دائمًا ما يكون مساعدي هذا النوع من المفاوضين من طائفة النظام ويختص بجميع القضايا والمجالات شرط عدم الاقتراب من حدود التماس المرتبطة بمصالح المنظومة الحاكمة.
كما يولي النظام الطرف الآخر المفاوض أهمية كبيرة في عملية التفاوض وبناء العلاقات، مستندًا في انتقاء مفاوضيه ومبعوثيه على علاقات شخصية كما هو الحال بين وليد المعلم وسيرغي لافروف، أو انتماءات قومية كما في حالة العماد حسن تركماني الذي كلف بملف العلاقات مع تركيا، أو صلات مذهبية وطائفية حيث أن جميع سفراء النظام في إيران كانوا من نفس طائفة النظام، كما يمكن أن يعتمد النظام في عملية التفاوض وإرسال المبعوثين على شخصيات من خارج الدائرة أو الوزارة المعنية إذا انطبقت عليها المواصفات المطلوبة مما ذكر أعلاه. أما السفارات السورية فقد تم تحييدها وألغي دورها في أي عمليات تفاوض أو تطوير للعلاقات بين سوريا والدول الأخرى أو رعاية لمصالح السوريين في بلاد الاغتراب وتحولت البعثات السورية إلى مراكز اتصال لنقل الرسائل وتلقي البرقيات ومراقبة لأعضاء السفارة والجالية السورية والعربية يقوم عليها أعوان النظام ومسؤوليه الذين كانت نسبتهم في تلك الملحقيات 99% من طائفة النظام مكافأة لهم عند نهاية خدمتهم في الدولة.
خط ساخن
ويبقى الخط الساخن بين الوفد المفاوض أو المبعوث ورئيس النظام من خلال مكتب اتصال يعمل 24 ساعة، يستقبل الأسئلة ويرسل الأجوبة من خلال برقيات مشفرة، لاتخاذ المواقف والقرارات النهائية في القضايا المطروحة الفصل الأخير في عمليات التفاوض التي تقوم بها وفود النظام ضمن خطوط حمراء دموية لا يمكن لأحد أيًّا كانت مرتبته ودرجة مسؤوليته من تجاوزها مهما كانت الظروف والأسباب، حيث يخضع كل حرف يُطرح خلال عملية التفاوض لرأي رأس حكم النظام وأخذ الموافقة عليه حتى لو كان يلبي مصالح النظام ورغباته.