بقلم: د. رمزي منصور
في عالمٍ يتسم بالتغيرات السريعة والصراعات المستمرة، نجد أن الأوضاع السياسية والدبلوماسية ليست دائماً متساوية أو عادلة. في هذه السطور أجمل بعض مشاعر الإحباط والخيبة التي قد يشعر بها البعض إزاء التصرفات والمواقف السياسية العربية والأوروبية في ظل الإبادة الجماعية على غزة.
الخذلان العربي خلال الحرب على غزة
تتجلى مظاهر الخذلان العربي بكافة أشكالها وأنواعها الغير أخلاقية، في ترك القضية الفلسطينية لوحدها التي هي بمثابة رأس حرب المقاومة في الشرق الأوسط، عدم تقديم الدعم الكافي للفلسطينيين وبالتحديد في الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة في الوقت الحالي، كان هناك غياب واضح للتحرك العربي الفعّال، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني أو الدبلوماسي أو حتى من خلال عقد اجتماع لجامعة الدول العربية التي هي بمثابة الكيان المؤسسي لتجميع الدول العربية تحت مظلة واحدة، من أجل التعاون والتضامن المجتمعي والوقوف أمام أي عقبات تواجههم، إلا أن الأداء الفعلي للجامعة في مناصرة القضية الفلسطينية، وخاصة خلال معركة طوفان الأقصى. أثناء الحرب على غزة، كان من المتوقع أن تلعب جامعة الدول العربية دورًا بارزًا في تقديم الدعم بكافة أشكاله للفلسطينيين وإظهار معاناتهم على الساحة الدولية.
لكن بدلاً من ذلك، ظهرت الجامعة بموقف ضعيف ومتردد، مما يعكس غياب التأثير الفعلي على الأرض. كانت البيانات الصادرة عن الجامعة في أغلب الأحيان مجرد تعبير عن القلق والإدانة اللفظية دون اتخاذ خطوات عملية ملموسة لدعم الشعب الفلسطيني. في ظل هذه الأوضاع، يتساءل الكثيرون عن مدى جدوى وجود جامعة الدول العربية وأهدافها المعلنة، إذا كانت غير قادرة على التحرك بشكل فعال لمساندة القضية الفلسطينية. لقد أظهرت الأحداث المتكررة ضعفًا هيكليًا في الجامعة، حيث باتت مصالح الدول الفردية ومخاوفها الأمنية والاقتصادية تتغلب على الاعتبارات المشتركة. ومع هذا الوضع، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة دون دعم قوي من محيطهم العربي، مما يضعهم في موقف صعب في الدفاع عن حقوقهم ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
فيما اكتفت بعض الدول بإصدار بيانات إدانة خجولة لما يحصل بحق المواطنين في غزة، بينما لم تتخذ دول أخرى أي موقف يُذكر، بل انشغلت بقضاياها الداخلية أو علاقاتها الخارجية التي قد تتعارض مع دعم الفلسطينيين. هذا التخاذل العربي أسهم في تزايد معاناة سكان غزة، الذين يعانون من الحصار والعدوان المستمر طوال السنوات الماضية. كما أن الانقسام السياسي بين الدول العربية وتباين مواقفها أدى إلى تراجع الدور العربي في الضغط على المجتمع الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي علي غزة ودعم حقوق الفلسطينيين. بدلاً من توحيد الصفوف، كانت هناك حالات من التقارب مع الدول التي تدعم الاحتلال أو حتى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مما زاد من تعقيد الوضع وجعل من الصعب تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض.
في هذه الأوقات العصيبة، كان الأمل معقوداً على أن تكون الدول العربية هي السند الرئيسي للفلسطينيين، إلا أن الواقع أثبت غير ذلك. إن هذا الفشل يعكس حالة التشتت العربي، ويجعل من الصعب تحقيق أي تقدم حقيقي في القضية الفلسطينية، لا تزال الشعوب العربية تتطلع إلى قيادة حقيقية تأخذ على عاتقها مسؤولية الدفاع ومناصرة القضية الفلسطينية بكل جدية لإيجاد حلول دائمة، ولكن غياب الوحدة والموقف يبقى عائقاً أمام تحقيق هذا الهدف. هذا الخذلان يزيد من إحباط الشعوب العربية والإحساس بالعجز أمام ما يجري، ويطرح تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية ودور العرب في دعمها.
في النهاية، يبقى الأمل في أن تستفيق الدول العربية من سباتها وتدرك أهمية التضامن والعمل المشترك، ليس فقط من أجل القضية الفلسطينية، بل من أجل استقرار المنطقة بأكملها.
التعاون الأوروبي “الغير أخلاقي”
في المقابل، يأتي التعاون الغربي غير الأخلاقي ليضيف إلى المشهد تعقيدًا آخر. دعم بعض الدول الغربية للسياسات التي تتعارض مع مصالح الشعوب العربية يُعتبر بمثابة خيانة للمبادئ والقيم التي تدعي هذه الدول الدفاع عنها. من خلال تقديم الدعم العسكري والسياسي لأنظمة أو جهات معينة، تعمل هذه الدول على تعزيز مواقفها الاستراتيجية والاقتصادية على حساب حقوق الإنسان والعدالة. على مر العقود الماضية، شهدنا تطورًا ملحوظًا في العلاقات بين إسرائيل والدول الأوروبية، حيث توسع هذا التعاون ليشمل مجالات متعددة مثل الدعم العسكري، الاقتصاد، الأمن، التكنولوجيا، والثقافة. في حين أن هذا التعاون يمكن أن يُنظر إليه من زاوية المصالح المتبادلة، إلا أنه يثير أيضًا تساؤلات وانتقادات حادة، خاصة من قبل مناصري القضية الفلسطينية، الذين يرون أن هذا التعاون يضر بموقف أوروبا المعلن حول حقوق الإنسان وحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
لطالما كانت أوروبا ساحة للمواقف المتباينة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الكيان الإسرائيل، كانت بعض الدول الأوروبية من أولى الدول التي اعترفت بها وساعدتها في ترسيخ وجودها. ومع مرور الوقت، تطورت العلاقات الأوروبية الإسرائيلية إلى شراكة استراتيجية في العديد من المجالات، مما عزز من قوة إسرائيل على الصعيد الدولي. في المقابل، تراجعت القوة الفلسطينية على المستوى الدولي، حيث تُرك الفلسطينيون يواجهون تحديات كبيرة مع ضعف الدعم الدولي.
التعاون الأمني والعسكري:
تعتبر العلاقات الأمنية بين إسرائيل والدول الأوروبية من أبرز جوانب هذا التعاون. العديد من الدول الأوروبية تستفيد من التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة في مجالات الأمن والدفاع. وتصنف إسرائيل واحدة من الدول المصدرة للأسلحة والمعدات العسكرية إلى العديد من الدول الأوروبية. هذه الصفقات تشمل أنظمة دفاع متطورة وطائرات مسيرة وأجهزة استخباراتية. بينما تستفيد الدول الأوروبية من هذه الصفقات، يثير هذا التعاون مخاوف بشأن استخدام هذه الأسلحة في النزاعات، وخاصة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد تم انتقاد بعض صفقات الأسلحة بسبب احتمال استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين. هذا التعاون يثير استياء الفلسطينيين الذين يرون أن هذه التكنولوجيا تُستخدم ضدهم في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. حيث أن هذا التعاون له تأثير كبير على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ويساهم في تكريس قوتها العسكرية في الصراع مع الفلسطينيين. البعض يرون أن هذا التعاون يُضعف من قدرة أوروبا على لعب دور الوسيط النزيه في النزاع، حيث يُنظر إليه على أنه انحياز لمصالح إسرائيل الأمنية على حساب حقوق الفلسطينيين.
التعاون الاقتصادي والتجاري:
إسرائيل تُعتبر شريكًا اقتصاديًا مهمًا للعديد من الدول الأوروبية، حيث يشمل التعاون استثمارات واسعة وتبادل تجاري مكثف. وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة، لا تزال العديد من الشركات الأوروبية تستثمر في إسرائيل، بما في ذلك في المستوطنات التي تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي. التعاون الاقتصادي والتجاري بين أوروبا وإسرائيل يعكس علاقة معقدة تجمع بين المصالح الاقتصادية المشتركة والتحديات السياسية. بينما يُسهم هذا التعاون في تعزيز الاقتصاد والتكنولوجيا في كلا الجانبين، إلا أنه يظل محاطًا بانتقادات ومخاوف بشأن تأثيره على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. المستقبل سيعتمد إلى حد كبير على قدرة الجانبين على تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية واحترام حقوق الإنسان في إطار هذا التعاون.
التعاون التكنولوجي والبحث العلمي:
تُعد إسرائيل واحدة من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا والابتكار، وهذا ما جعلها شريكًا مهمًا للدول الأوروبية في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. هذه الشراكات يمكن أن تُعزز من قوة إسرائيل الاقتصادية والعلمية على حساب الفلسطينيين الذين يواجهون حصارًا اقتصاديًا وتضييقًا على قدراتهم العلمية.
رغم التصريحات الأوروبية المتكررة التي تدعم حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين، يرى الكثير أن التعاون الأوروبي الإسرائيلي يُضعف من هذا الموقف. في نظرهم، يقدم هذا التعاون دعمًا غير مباشر للسياسات الإسرائيلية التي تُعتبر انتهاكًا لحقوق الفلسطينيين، مثل الاستيطان في الضفة الغربية والحصار الدائم على غزة. وهذا التعاون يُثير اتهامات بازدواجية المعايير من جانب الدول الأوروبية التي تدعو علنًا إلى احترام حقوق الإنسان، لكنها في الوقت ذاته تستمر في التعاون مع إسرائيل على عدة مستويات. فهناك انتقادات موجهة إلى الدول الأوروبية تأتي من مختلف الأطراف، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، والنشطاء المؤيدين لفلسطين، وحتى بعض السياسيين داخل هذه الدول.
هذه الانتقادات تُركز على التناقض بين المواقف المعلنة لهذه الدول ودعمها غير المباشر للسياسات الإسرائيلية من خلال التعاون الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. من جهة أخرى، تُبرر الدول الأوروبية هذا التعاون بالمصالح الاستراتيجية المشتركة والضرورة الأمنية. ويعتبر بعض السياسيين الأوروبيين أن الحفاظ على العلاقات الجيدة مع إسرائيل لا يتعارض مع دعمهم لحقوق الفلسطينيين، وأنهم قادرون على لعب دور الوسيط بين الطرفين.
التعاون الأوروبي الإسرائيلي يشكل تحديًا كبيرًا لمصداقية أوروبا فيما يتعلق بدعمها لحقوق الإنسان والقضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي تعلن فيه دول الاتحاد الأوروبي عن التزامها بحل عادل للقضية الفلسطينية، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع يعكس دعمًا غير مباشر لإسرائيل من خلال هذا التعاون. الأمر الذي يجعل الفلسطينيين يشعرون بأنهم محرومون من دعم دولي حقيقي يعينهم في تحقيق حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة.
في ضوء هذه الأوضاع، يصبح من الضروري البحث عن طرق لتعزيز التعاون العربي وتطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع القوى الدولية. يجب أن تعتمد الدول العربية على وحدتها وتضامنها لتحقيق مصالحها الوطنية وحماية شعوبها من التدخلات الخارجية السلبية. إن هذا المشهد يعكس واقعًا محبطًا، حيث يظل الأمل معلقًا على إمكانية التغيير وتوحيد الصف العربي لمواجهة التحديات المشتركة. يبقى السؤال الأساسي: هل ستستطيع الدول العربية تجاوز خلافاتها وتقديم الدعم الحقيقي لقضاياها؟ أم سيستمر هذا الخذلان وهذا التعاون غير الأخلاقي في تشكيل مستقبل القضية الفلسطينية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام؟
I simply could not go away your web site prior to suggesting that I really enjoyed the standard info a person supply on your guests Is going to be back incessantly to investigate crosscheck new posts.
Simply desire to say your article is as surprising The clearness in your post is simply excellent and i could assume you are an expert on this subject Fine with your permission let me to grab your feed to keep up to date with forthcoming post Thanks a million and please carry on the gratifying work