حسناء فتاة في الحادية والعشرين من عمرها، طالبة في السنة الثالثة كلية التربية في حلب، سمراء اللون، ذات عيون عسلية يشع منها بريق الذكاء. كنت أستمتع بحديثها اللطيف والواعي، عندما كنت أذهب إلى بيت أمها الخياطة أم علاء. كانت تسكن في الشارع المجاور لشارعنا في ريف حلب الشمالي. حسناء تتمتع بشخصية قوية، مفعمة بحيوية الشباب. كنت أرى في جمال سمارها العربي وقوة شخصيتها، ملكة من ملكات التاريخ وأحيانا كنت أمازحها وأناديها زنوبيا.
في بدايات الثورة السورية كانت تدور أحاديث عن الثورة في البيوت. وكالعادة كانت النساء منهن المؤيدات للنظام ومنهن المعارضات، وكان يحدث تبادل للأحاديث من هذا القبيل في منزل الخياطة أم علاء. رأي المؤيدات كان ما يثير هدوء حسناء فتخرج عن لطفها المعتاد، وتتحدث وتناقش بصوت يعلو دون شعور صارخة “إنه نظام ظالم وقاتل ومستبد”. بعض النساء كن يخفن من حديث حسناء، لاسيما وأن مناطق حلب وريفها آنذاك كانت تعج بقوات الأمن والشبيحة والمخبرين أيضا، أما المؤيدات فيغضبن من حديثها قائلات:”يبلاك فقتلك ما أقواكِ” بين جد
ومزاح.
كنت أحيي حسناء وأحيي جرأتها ونخوة الشباب فيها. ذات يوم كنت مع ابني الصغير ذاهبة إلى السوق، فاتجهت إلى ناصية الشارع لأستقل سيارة الأجرة، وبالصدفة التقيت بحسناء وهي ذاهبة إلى جامعتها كالعادة. ألقت علي تحية الصباح وركبنا في السيارة نفسها. كان في السيارة شبان ورجلان في الخمسينيات، امراة عجوز مع حفيدها، حسناء جلست في الكرسي الذي يقع أمامي.
مشت السيارة، وعند وصولنا لمنطقة مشفى الكندي كان هناك حاجز للجيش.وقفت السيارة وأخذ الجنود الهويات، ثم نظروا في هوية أحد الرجلين المسنين، وقالوا له “انزل من السيارة”.
خاف الرجل وصاح “ماذا تريدون مني،والله لم أفعل سيئا”.
ضحك أحد العناصر وقال له “ألست من مارع ،إنزل”.
وعندما سحبوا ذلك الرجل المسكين من السيارة رأيناه يميل في مشيته. إنه رجل مريض، لم يشفع له مرضه. ذنبه الوحيد أنه من مدينة مارع، التي كانت من أوائل المناطق الحلبية التي ثارت ضد نظام الاسد.
كان الهدوء يعم السرفيس إلى أن صاحت حسناء بصوت عال، كان واضحاً أنها لم تستطع أن تتمالك أعصابها “اتركوا هذا الرجل المسكين، خافوا الله يا ظلّام”.
لم تكد تقول ذلك وإذا برجل ضخم كان يشرب الشاي في حاجز الجيش،على الأغلب هو أحد الشبيحة،اتجه مسرعاً نحو السرفيس، كان مفتول العضلات، كثيف اللحية، أمسك حسناء من ذراعها كوحش مفترس وأنزلها عنوة من السيارة، وهو يصرخ بصوت مرعب “أنزلي واذهبي معه لتري الظلم بعينك”.
سحبها خلفه وهي تقاوم وتشتمه قائلة”لعنة الله عليكم”.
مشت السيارة وعيناي الدامعة حزناً وخوفاً ترقب ذلك الوحش البشري. كان يضرب تلك الشابة بمؤخرة بندقيته ويساعده رفاقه بركلها بأرجلهم دون شفقة أو رحمة. مسكينة هذه الفتاة التي وقعت بين براثن هؤلاء الذئاب، كل ذنبها أنها قالت كلمة حق، وكان ذلك في 5 آذار/ مارس 2013.
بعد عودتي لحارتي رأيت أم علاء على باب منزلها، لم أستطع إخبارها أن ابنتها اعتقلتـ وهي لن تأتي. فعل ذلك شاب كان معنا في السيارة حيث أخبر أهلها بكل شيئ .
بعد حوالي ثلاثة أشهر عادت حسناء إلى بيتها، بعد عناء والدها وأعمامها وبحثهم بين أفرع الأمن المختلفة. خرجت حسناء من ظلم النظام، لتدخل في ظلم ألسنة الناس التي لاترحم. كثر لغطهم وأحاديثهم عنها، وأخذوا يتخيلون ما حدث مع حسناء، ما كان وما لم يكن. وماهي الا بضعة أيام حتى سمعنا المنادي في المسجد ينعي وفاة حسناء بنت أم علاء، نعم لقد ماتت حسناء.
البعض يقول أنها أصيبت بجلطة من القهر والظلم، والبعض الاخر يقول أنها ماتت منتحرة بالسم، وآخرون يقولون أن أخوها قتلها.
ترى من قتل حسناء؟! هل هم وحوش النظام ؟ أم هو المجتمع الذكوري الذي لا يرحم الأنثى حتى ولو ماتت مظلومة؟
الرحمة لروح الفقيدة حسناء ولروح النخوة التي ماتت عند كثير من الناس في مجتمعنا. ورغم كل شئ ستبقى حسناء رمزا لعنفوان الثورة السورية التي لن تموت بموت حسناء.
هاديا منصور – موقع سوريتي