ربما لم يؤلم بشار الأسد وعصابته خروج درعا كما آلمته حمص التي كان يعتبرها المدينة الآمنة، ومخزن طائفة النظام وشبيحته، فخروجها شكّل الضربة التي قصمت ظهر مجرمي النظام وأجهزته القمعية، وهدّدت وجود تلك الحاضنة الضخمة التي كانت تطوّق الأحياء الثائرة من كلّ الجهات.
مملكة الصمت الحمصية وعاصمة النكتة، المدينة المسالمة الدمثة الطيبة التي لم ترض القهر لشقيقتها الجنوبية (درعا)، والتي خرجت الصرخة تشق حناجر أبنائها برفض الظلم والطاغوت.
ومثل حال باقي المدن، خرجت المدينة سلمية، لتقول “لا” لقلع الأظافر والتعذيب في السجون وإطلاق النار على العزل، لتواجه الديكتاتور والشبيحة ونيران مدافعه وتقسيمه.
ربما لم تواجه باقي المدن ما واجهته بعض المدن التي تأخرت في الثورة، مثل حلب ودير الزور وتدمر وحماة التي استسلمت مبكراً للطاغية، فما واجهته “العدية” من ظلم وقهر وسحل وتدمير، كان بيد أبناء العمومة قبل النظام.
عملت أجهزة النظام ومخابراته، منذ بداية الانتفاضة في حمص في مارس/ آذار 2011، على تسليح معظم الرجال والشباب في حي عكرمة والزهراء والأرمن وكرم شمشم، حتى طال التسليح من هم من تحت سن الثامنة عشر تحت مسمى “اللجان الشعبية”، واعتبروا أنفسهم الخط الدفاعي الثاني خلف أجهزة المخابرات، ضد أشباحٍ لا وجود لهم، أطلقوا عليهم تسمية “العصابات المسلحة” و”الارهابيين” و”المندسين”، وشنّت اللجان الشعبية هجمات على المظاهرات السلمية في الأحياء الثائرة ضد الطاغية، كما شاركت تلك الأحياء وشبيحتها بتنظيم مسيرات مؤيدة للنظام، مطلقةً شعارات طائفية صدمت الحماصنة وكشفت معدن “أولاد العمومة ” الحقيقي.
وبدأت مجموعات اللجان الشعبية في هذه الأحياء تساند، بشكل عقائدي، قوات النظام في قمع المظاهرات بإطلاق النار وعمليات الخطف والتشبيح.
وفي الفترة بين فبراير/ شباط ومايو/ أيار 2012 شهدت حمص مجازر عديدة كبيرة، راح ضحيتها مئات من المدنيين بين القصف والذبح، كان أشهرها مجزرة الخالدية في فبراير ومجرزة كرم الزيتون في مارس ومجرزة الحولة في مايو، وتمّ تسجيل استخدام صاروخ سكود للمرة الأولى منذ بداية الثورة.
وشكلت أحياء قليلة في المدينة طوقاً أمنياً مشدّداً على الأحياء الثائرة التي هجرها أهلها تحت القصف المتواصل من مدافع النظام وطائراته، كما تحوّلت أحياء عكرمة والنزهة ومنطقة وادي الذهب في جنوب المدينة وحي الزهراء إلى مراكز عسكرية، تنطلق منها هجمات الشبيحة على بيوت الأهالي تحت غطاء أمني وعسكري منظّم، حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات، إضافة إلى تمركز أسلحة ثقيلة في شوارعها كالدبابات والمدافع وقواذف صاروخية قصفت باستمرار أحياء حمص منذ بداية الثورة حتى محاصرتها ثلاث سنوات، وخروج الثوار منها إلى حي الوعر وريف حمص الشمالي، تلك الأحياء التي لم يستطع النظام وشبيحته دخولها 9/5/2014 على الرغم من القصف والحشود وتدخل حزب الله، إلا عبر هدنة دولية ساهمت بخروج الثوار واستيلاء النظام على تلك المناطق وسرقتها وحرقها.
لا يحتل حمص المدينة اليوم ما يسمّى “الجيش العربي السوري” وأجهزة المخابرات، بل مليشيات وقوات كثيرة داعمة للأسد، وخرجت معظمها من الأحياء الموالية للطاغية.
ويعمد النظام حالياً إلى قطع الطرق الممتدة بين الأحياء، ويحاصر منطقة الوعر التي يعتبرها الحاضنة الأكبر للإرهاب الخارج من أحياء الخالدية والبياضة وجورة الشياح والقرابيص وباب السباع وباب تدمر .
ويعتمد حصار منطقة الوعر على انتشار القناصة والراجمات من الكلية الحربية والمشفى العسكري والأفرع الأمنية المحيطة بالحي، كما يعيش الحي حالياً حالة إنسانية مأساوية من الجوع والقصف اليومي، وسط غياب رقابة الأمم المتحدة التي ساهمت في الهدنة الأخيرة بين النظام وثوّار المنطقة.
العربي الجديد – مرهف مينو