بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
حركة حماس (الفلسطينية) ترفع شعار التوبة عن العداء مع العدو الصهيوني، وتطلب الصفح عن الماضي متمسكة بالراعي الرسمي للحركة دولة قطر من خلال علاقتها الوطيدة بدولة الأحتلال لتكون عراب تلك المصالحة !!
حيث أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الإثنين أن الحركة تؤيد إقامة دولة فلسطينية انتقالية على حدود 1967.
وقال مشعل في العاصمة القطرية الدوحة وهو يعلن عن وثيقة السياسة الجديدة إن حماس تدعو لتحرير #فلسطين بالكامل لكنها على استعداد لتأييد إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 دون الاعتراف بإسرائيل أو التخلي عن أي حقوق !! ومايدعو للدهشة هو مقدرة خالد مشعل على الكذب والرياء، ولكن مايدفع المشاهد ليلامس حدود الجنون قيام الجماهير المؤيدة لحركة حماس بتبرير العمالة والتهليل والتصفيق للتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني.
وأعتقد بأن وثيقة حماس هي لتلبية رغبات الكفيل (القطري )، و مسعى إلى الانضمام لنادي اللاعبين المقبولين على السياسة الإقليمية تحت المظلة الأمريكية، خاصة أنها تضمنت مواقف من أهمها قبول دولة فلسطينية على حدود 67 والتخلي عن جماعة الإخوان المسلمين.
وتعقبيا على السقوط المدوي لحركة حماس بقبولها طرح تلك الوثيقة المزرية على الشعوب العربية والغربية، فقد حاولت الحركة حفظ ماء الوجه من خلال تغير زوايا النقطتين الأساسيتين ( تدمير إسرائيل و القبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967) وذلك من أجل تخفيف الضرر الناجم عن تلك الوثيقة والذي من شأنه أن يضع ملايين إشارات الاستفهام حول نشأة الحركة وأهدافها وتطلعاتها المستقبلية، ولكنها لم تنجح !! فلقد أكدت «حماس»، في بيان سابق أنه تم إرجاء بدء أعمال المؤتمر لساعتين «بسبب اعتذار إدارة الفندق (القطري ) في آخر لحظة عن استضافة اللقاء !!! وقال قيادي في حماس إن الوثيقة ستفتح الباب لتكون الحركة مقبولة عربيا ودوليا، وتتوقع تحسين العلاقة مع (مصر )والدول العربية ودول الغرب.
والأسئلة المطروحة الأن عقب صدور وثيقة حماس المقززة تتلخص بمايلي ..
السؤال الأول : مالذي يعنيه قبول حركة حماس بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م ؟؟
الجواب : سياسياً وقانونياً هو تحديد خط حدود الدولة الفلسطينية واستثناء كل الأراضي الفلسطينية الواقعة خلفه من مساحة الدولة واعتبارها ممتلكات للغير، بحيث لا يمكن في هذه الحالة المطالبة بإدخال تعديلات على خط الحدود إلا في النقاط التي قد يشوبها الالتباس والغموض بحسب خرائط خط الهدنة لعام 1949م ، ( ملخص
هدنة 1949 هو أن تصبح الضفة الغربية وقطاع غزة منطقتين جغرافيتين منفصلتين تفصل بينهما دولة الكيان الصهيوني المحتل ).
ويجدر التنويه هنا بأن الحدود القانونية للدولة الفلسطينية ضمن خط الرابع من حزيران عام 1967م أو على أساس ما حدده قرار التقسيم 181 لا تتطابق بالتأكيد مع حدود فلسطين التاريخية.
السؤال الثاتي : ماحقيقة إقرار حركة حماس إعلانها الصريح عبر وثيقتها التنصل من حركة الإخوان المسلمين ؟؟
الجواب : فيما يتجه أغلب المحلليين السياسيين العرب إلى وصف إعلان حركة حماس بالانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين بالضربة القاضية وأن للقرار تداعيات ونتائج سيئة على الجماعة، أسلك أنا مسارا آخر !!
فبعد توالي هزائم جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية الصاعدة من قبو الربيع العربي ( تونس ، مصر )، وارتفاع أصوات الدول العربية والغربية المطالبة بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين من ضمن الجماعات الإرهابية وعلى رأسها الولايات المتحدة ( ذكرت تقارير أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس بجدية تصنيف الإخوان منظمة إرهابية، وتجريم أي أتصالات سياسية أو تتعلق بالبيزنس مع الجماعة بموجب القانون الأمريكي ).
ووفق جميع ماتم ذكره من نقاط تعبر عن ضعف تنظيم الإخوان في الأوقات الراهنة فإني أرجح قيام حركة حماس بحركة التفاف بإيعاذ من قيادة الجماعة في دولة قطر وخارجها من أجل كسب جولة من الوقت لإعادة ترتيب البيت الداخلي عقب الهزات السياسية المتكررة، والأمر الأهم هو توطيد العلاقة مع مصر ومافي ذلك من تحقيق جملة فؤائد تعود على الجماعة في الأوقات القادمة، وبالأخص مع توجه قيادات الجماعة وداعميها في دولة قطر لدفع قاطرة العلاقات بين الإخوان ونظام السيسي (فيما مضى ) إلى محطة المصالحة وهذا مايرفضه الأخير رفضا قاطعا.
السؤال الثالث : لماذا قطر بالتحديد ، وإلا يشكل إعلان حماس مغادرة ملعب الإخوان من قلب مقر النادي الإخواني في قطر (فقرة هزلية ) لاتثير الضحك بل تثير الأشمئزاز ؟؟
الجواب : المال هو السبب الرئيس في سطوة رجالات قطر على قيادة حركة حماس، حيث سبق و أن قدمت قطر عدة منح مالية لحركة حماس والتي تصب في نهاية المطاف في جيوب قادة الحركة لترويضهم كما يشاء الكابوي القطري، ولو أن جزء من تلك المنح وصل إلى غزة لأصبح دخل الفرد فيها أعلى من دخل المواطن في إمارة دبي !! وعلى سبيل الذكر وليس الحصر، منحة مالية قدرت بنصف مليار دولار أمريكي لصالح إقامة عدة مشاريع تنفذ في غزة عبارة عن (تعبيد) طرق وإقامة (مدينة) سكنية، كما وقدمت قطر قبل أشهر من تلك الهبة منحة مالية لصالح توريد وقود لمحطة (الكهرباء). بالإضافة إلى عشرات المنح والعطايا الأخرى من دول مختلفة ( سوريا، السعودية، وبعد ذلك إيران، التي كانت الداعم الأكبر لحماس، وأنتهى اليوم إلى قطر ) والتي جعلت قادة حماس من أغنى أغنياء الشرق الأوسط.
وهناك عدة تقارير حول مدى ثراء قادة حماس الفاحش وهذا لايخفى على أحد من رواد الشبكة العنكبوتية (فلقد أوضح موقع The Inquisitr الأمريكي ضمن تقرير عن خالد مشعل، زعيم الجناح السياسي لحماس يقيم في قصر في الدوحة كما أن في أرصدته البنكية مايتجاوز الأربع مليارات دولار، بالإضافة إلي ذلك، هناك عدة شركات مسجلة بأسماء زوجته وابنته في قطر ويتم تنفيذ تطويرات عقارية في قطر تحت اسمه، بما في ذلك مركز للتسوق يبلغ مساحته 10 آلاف متر ).
والنقطة الأبرز حول جدلية لماذا قطر ؟؟
فتتشعب الأجابة إلى عدة نقاط ..
1. تعد قطر دولة صغيرة في العدد وبعيدة في الجغرافيا، وأحد أهم المرتكزات الأمريكية السياسية والعسكرية في منطقة الخليج، وتربطها علاقاتٌ مع اليهود الصهاينة المحتلين لبيت المقدس.
2. يتواجد في قطر يوسف القرضاوي الابن الخالص لحركة الإخوان المسلمين. بالإضافة إلى قيادات أخرى للجماعة في ملعب الغولف الأمريكي في الشرق الأوسط (قطر ).
3. تحاول قطر استثمار الإخوان المسلمين ( الرحم الأم لحركة حماس مهما حاولت الحركة المراوغة حول هذه الحقيقة ) كورقة لتحقيق مصالحها في التعامل مع العالم الخارجي.
فالدول الصغيرة عندما تشعر بالخطر المحدق بها تعمل على رفع قدراتها من أجل أن تحقق درجة من التوازن في العلاقة مع الدول أو الأطراف التي تعتبر منافسة لها، ومن ناحية أخرى فإن دولة قطر لا تخشى من الإخوان المسلمين لأنها تعتقد أنه لا يوجد نشاط للإخوان في أراضيها، وأن قيادات الإخوان المسلمين الموجودة لا تحمل أجندة للعمل في داخل قطر وإنما هي موجهة للخارج، وهو ما يتلائم مع التوجه القطري تجاه الدول العربية.
وكما عبرت عن ذلك صحيفة
“واشنطن بوست” عن أسباب دعم قطر للأخوان المسلمين ( إن قطر خطت لنفسها طريقا مختلفا عن جيراناتها بدعم جماعة الإخوان لرغبتها في ترك بصمتها على الخريطة وأيضا لأنها راهنت على أن الإسلاميين سيكونون هم الرابحين بعد الربيع العربي ).
وتجدر الإشارة أيضا ضمن بنود وثيقة حماس الاستسلامية بحذف الدعوة الصريحة لتدمير إسرائيل، وهذا مايخالف تماما ميثاق حماس الذي صدر سرا عام 1988 أي بعد عام على تأسيس الحركة والذي دعا إلى تدمير إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية على كامل فلسطين التاريخية، ويصف الصراع على أنه ديني بحت.
وبينما تحتفل حركة حماس بسقوطها في مستنقع العمالة، يأخذ الصراع العربي الإسرائيلي منحنا جديدا يمكن تشبيهه بصفعة قوية لحكومة الصهيانة المحتلين.
فقد صوتت منظمة العلوم والثقافة والتربية #اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، الثلاثاء، بأغلبية أكثر من الثلثين لصالح قرار يعتبر القدس مدينة خاضعة للأحتلال الإسرائيلي، وجاء القرار الذي عملت إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة لإجهاضه بالتزامن مع الاحتفالات الإسرائيلية فيما يعرف بـ”عيد الاستقلال”، وهو ذكرى احتلال إسرائيل للمدينة العربية المقدسة، وعبر عن حالة الغضب الإسرائيلي تجاه القرار تصريح نتياهو رئيس حكومة الأحتلال بقوله “نحن لا نقر باليونسكو ونؤيد حقيقتنا، لقد كانت القدس على أمتداد التاريخ اليهودي قلب الأمة”، على حد تعبيره.
وبادر لمشروع القرار عدة دول عربية، والذي يؤكد أن إسرائيل تحتل القدس وليس لها في البلدة القديمة أي حق، ويشمل أيضاً الاعتراف بأن المقابر في مدينة الخليل وقبر راحيل في بيت لحم مقابر إسلامية.
والأمر المثير للشفقة بالنسبة لحركة حماس هو إعلانهم الصريح بقبول تجزئة الأراضي الفسطينية المحتلة عبر الاعتراف بدولة فلسطين عام 1967 ، وتنازلهم عن مبادئهم الرئيسية بتدمير إسرائيل، وأخيرا تقديم الحركة فروض الطاعة في الفندق المجاور لسفارة إسرائيل في قطر مع رفض حكومة نتياهو تلك المباردة من قبل الحركة ووصفها بالماكرة !!
فمن جانبها قالت إسرائيل إن حركة (حماس) تحاول أن تخدع العالم بإصدار وثيقة سياسية جديدة ، وقال دافيد كيز، المتحدث بأسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “حماس تحاول خداع العالم لكنها لن تنجح” !!
فهل تريد أن تعلم عزيزي القارىء أين موقع حماس ضمن سلم الحركات التي تعادي دولة الكيان الصهيوني عقب تلك الوثيقة ؟؟
فعندما تقبل الضحية يد جلادها مع رفض الجلاد تلك السقطة الأخلاقية والعقائدية !! فهنا تبرز حماس وتحدد دورها السابق والقادم من العدو !!!!
تتساقط أوراق التوت فوق رؤوس العملاء والخونة يوما بعد يوم، وهذا مايبرر لنا تباهي العدو الصهيوني في إهانة أبناء الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من حركة حماس وغيرها من الحركات الفلسطينية والتي تحمل السلاح لحماية مصالحها ومواقعها القيادية أكثر ماتحمله بوجه الكيان الصهيوني !!!