الأزمة السورية لازالت تراوح مكانها، ومسألة حلها خلال الظروف الراهنة، ترتبط بالرغبة الدولية الحقيقية في إسقاط نظام الأسد، والتي تنعكس على الحرب ضد داعش وإمكانية القضاء عليها.
أوضح الدكتور فايز القنطار، الأكاديمي السوري البارز أن “التحالف الدولي في مواجهة داعش مسألة مقلقة لغالبية السوريين، فبعد بداية عملياته الميدانية منذ حوالي شهرين، بدأت الشكوك حول مدى فاعلية هذه العمليات وحول أهدافها البعيدة”، لافتًا إلى أن العمل العسكري لهذا التحالف يعالج الأعراض ويتجاهل الأسباب والظروف التي أدت إلى سرعة توسع ظاهرة داعش وأهمها الظلم والبربرية غير المسبوقة التي تعرض لها الشعب السوري من قبل النظام الأسدي، ووقوف العالم متفرجا على المجازر اليومية التي تستهدف السوريين.
وأكد القنطار لـ “العرب”، أن إعلان الحرب على داعش وتجاهل إرهاب النظام الأسدي والإرهاب المتحالف معه، يحمل السوريين على الاستنتاج بأن هذا التحالف يتجاهل ما يتعرضون له من قتل يومي بالبراميل المتفجرة وبالصواريخ بعيدة المدى ولا يعير اهتماما لمأساتهم، كما أن نتائج هذا التدخل العسكري تبدو غير فعالة، بل على العكس يخشى من أن يؤدي إلى تصاعد شعبية داعش وانضمام الكثيرين إلى صفوفها.
ولفت القنطار إلى أن التحالف يعطي الانطباع بأنه يقف في مواجهة الإسلام “السني” مما يعزز الشعور بالظلم عند فئات واسعة من الشباب، وقال إن تحجيم داعش ودحرها يستوجب أولًا إزاحة نظام الاستبداد والظلم في سوريا، وإقامة نظام يقوم على المشاركة الشعبية الواسعة، واحترام الحقوق الأساسية للسوريين.
وحول الوعود بأن هذه الحرب ضد داعش ستستمر سنوات طويلة، أكد أن ذلك يعني أن القوى الأساسية في هذا التحالف لا تملك النية لإنهاء هذه الظاهرة، بل على العكس تعمل على إدارة الأزمة بما يحقق مصالحها في تمزيق المنطقة وإنهاكها
وأردف: “ولا يبدو وجود ما يشير إلى نية التحالف في تطهير سوريا من داعش بل أعتقد أنه يريد تحجيمها واستعمالها وفق الظروف المستجدة بعد تعويم “البيشمركة” وتعميق العداء بين مكونات المجتمعات في المنطقة وإذكاء المزيد من الصراعات الإثنية والمذهبية. التدخل العسكري العشوائي لايحل المشكلات بقدر ما يفضي إلى تفاقمها ولنا في تجربة الاحتلال الأميركي للعراق خير دليل”.
وحول الموقف الروسي الحالي، قال القنطار: “أعتقد أن الروس كغيرهم، لا يكترثون بما تعيشه سوريا من قتل وتدمير ممنهج، هم يمسكون بالورقة السورية للمساومة في علاقاتهم مع الغرب، وموقفهم يتطابق مع موقف النظام، فالتغيير يجب أن يفضي إلى إعادة تدوير النظام وإعادة إنتاج نفسه، والبحث عن معارضة تسير وفق هذا المبدأ، ونظرا إلى استعصاء الوضع الحالي، يتخذ الروس المبادرة في محاولة سحب البساط من جنيف إلى موسكو لتحسين موقفهم ورفع قيمة الورقة السورية في صراعهم مع الغرب الذي يصل إلى منعطف خطير في هذه المرحلة”.
وتابع “لا أعتقد بأنه يمكن حلحلة الأزمة قبل انتهاء المفاوضات الغربية الإيرانية حول الملف الإيراني النووي، إذا كان الحل الروسي يتضمن بقاء الأسد فهذا يعني أنه لا يوجد أي حل، فلا مكان للأسد في سوريا، فالسوريون لا يثقون في أي حلول تبقي على الأسد”.
وأوضح أن “الحل السياسي يجب أن يقوم على قرارات الأمم المتحدة في جنيف1، أي تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة تتشكل من شخصيات وطنية تمهد لإجراء انتخابات حرة نزيهة وشفافة بإشراف عربي ودولي”
وحول الدور الإيراني، أشار إلى أن إيران تلقي بكل ثقلها إلى جانب نظام الأسد، فإيران رحبت بالربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وعندما وصل إلى سوريا انقلبت على هذا الموقف واعتبرته مؤامرة كونية ضد محور المقاومة والممانعة، إذ تسعى إيران للتمدد وتعلن ذلك على رؤوس الأشهاد بمباركة غربية على ما يبدو، لأن الصمت عن إرهاب المجموعات الشيعية المرتبطة بإيران يؤكد هذا الموقف.
ولفت إلى أن إيران تدرك مهما بلغ دعمها العسكري والاقتصادي لنظام الأسد فلن يمكنه ذلك من الاستمرار ولا من إعادة بسط السيطرة وإعادة السوريين إلى بيت الطاعة، فهي أيضا تبحث عن البديل الذي ينقذ ماء وجهها على غرار بديل المالكي في العراق.
وقال القنطار في معرض حديثه لـ”عرب”: “مبادرة مستورا هي مبادرة كارثية يستحيل القبول بها، فهي لا تفتح أي أفق للحل السياسي ولا لحكومة شراكة وطنية، بل هي تتويج للهدن التي أقامها الأسد، وإطلاق يده للقضاء على الثورة في الغوطة مما يعزز مواقعه في دمشق والوسط والساحل ويجعل منها دولته القائمة على الأرض، فخطورة مشروع مستورا أنه -كما يقول برهان غليون- يقسم سوريا بين المعارضة والنظام وداعش ويلغي الحاجة إلى المفاوضات ويمكن كل طرف من فرض النظام الذي يريده في المنطقة التي يسيطر عليها، فهي مبادرة خطرة يمكن أن تضع الوطن السوري على سكة التقسيم”.
وتحدث حول دور الائتلاف المعارض، قائلًا: “وقع الائتلاف في خطأ استراتيجي بارتمائه في أحضان الغرب منذ بداية الانتفاضة السلمية في سوريا، وأخفق وأحبط من الوعود الغربية، وفقد مصداقيته في نظر الكثير من السوريين ولم يتمكن من أن يكون قائدا حقيقيا للمعارضة السورية، ليس لي علم بالتوجه الغربي لسحب الاعتراف من الائتلاف وإذا كان ذلك صحيحا فهذا يشكل عبثا مجنونا في المسألة السورية. كما أصيب الائتلاف بالشلل نتيجة الوعود الغربية الوهمية التي أدت إلى استفحال الانقسامات وعززت دور القوى الدينية المتطرفة على حساب الجيش الحر والقوى المدنية المختلفة”.
وأكد أنه رغم أخطاء الائتلاف وفضائح الفساد لبعض أطرافه، إلا أنه يبقى مهمًا بالنسبة إلى المعارضة السورية، فهو يحظى باعتراف غالبية دول العالم وبدأ في بلورة بعض المؤسسات، وعلى السوريين محاولة إصلاحه بما يخدم مصالحهم في تشكيل قيادة سياسية وميدانية موحدة.