” كم أتوق لإنهاء دراستي الجامعية وأكمل في الدراسات العليا، وأدخل في الحياة العملية وأحقق طموحاتي في تطوير قدراتي وأكون نفسي”.
كلمات لطالما رددتها سارة في نفسها وهي ترسم أحلاما لمستقبلها أثناء دراستها في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، لتبدأ الحرب بعد تخرجها من الجامعة وتدمر معها كل ما بنته في مخيلتها ليكون اليأس والحزن رفيقيها الدائمين في وطن ماتت فيه الإنسانية وانعدمت فيه أدنى مقومات الحياة.
” تقدمت لمسابقة الماجيستير في جامعة حلب وتم قبولي لكنني لم أستطع الاستمرار بسبب غلاء المعيشة في حلب وعدم قدرة أهلي على تحمل المصاريف، فعدت محبطة إلى مدينتي ادلب على أمل أن تتحسن الأوضاع وأكمل دراستي”.
حال سارة كحال سائر خريجي الجامعات في سورية من معاناة لمعاناة، فقد تقدمت لمسابقة أعلنت عنها وزارة تربية النظام قبل تحرير مدينة ادلب إلا أنه كالعادة يتم تعيين من لديه “واسطة” ومن لا يملكها يكون مصيره الرفض وانتظار فرصة عمل أخرى على أبواب المديريات والدوائر الحكومية التي ذاع سيطها بالفساد والمحسوبيات وتلقي الرشاوي.
” شعرت بالتفاؤل بعد تحرير مدينتي ادلب من قوات النظام، لكن سرعان ما بدأت طائراتها بالانتقام من خسارتها عبر براميل الحقد لتنسينا لذة الانتصار، فكان والدي ضحية بأحد صواريخها الغادرة لتزداد أوجاعنا ومآسينا فقد كان الأب الحنون والمعيل الوحيد لنا الذي يمسح دموعنا ويشعرنا دائما أن الحياة لازالت جميلة”
أحلام بددتها الحرب وواقع مرير انعكس بسلبياته على جميع السوريين فبعد أن كان الارتقاء بالدراسة والعمل والحياة الاجتماعية هدفهم تحول منذ بدء ثورة الكرامة إلى مجرد أحلام وأهداف بسيطة كتأمين ربطة الخبز والماء وغيرها من مستلزمات الحياة الأساسية، فمن يكمل يومه دون أن يفقد أحدا يكون بألف نعمة يحسد عليها.
تقول والدة سارة:” رحل زوجي وترك لي مهمة صعبة، لا أستطيع تمالك نفسي أمام دموع طفلي الصغير عندما يستيقظ باكرا ليشتري لنا الخبز ويقول لي لا تقلقي يا أمي صحيح أن أبي رحل لكنني وعدته أن أكون رجلا وأن أهتم بك وبإخوتي”.
وتضيف:” كلمات طفلي البريئة تجعلني أتحسر على جيل بأكمله تحمل مسؤولية تفوق طاقته، بدلا من أن يعيشوا طفولة مع الألعاب كغيرهم من الأطفال، ماذنبهم ليحرموا من كل شيء حتى من حنان الأب؟.”
رغم كل ما يذوقه الشعب السوري من شتى ألوان العذاب سواء النفسي أو الجسدي وحتى المعيشي، تبقى إرادتهم وإصرارهم على العيش بكرامة كفيلة لنجاحهم، تضيف سارة:” أعمل حاليا بمنظمة إغائية في مجال الترجمة فأنا أكبر إخوتي، وكنت على يقين أن لنا رب لن ينسانا بكرمه وعطائه مهما ضاقت بنا السبل واشتدت بنا المصائب، فمهما حاول النظام أن يحبط عزيمتنا لن يستطع فنحن السوريون لن نقبل أن نعيش إلا بكرامتنا ويكفيني أنني ابنة شهيد لأرفع رأسي وأفتخر فدماء شهدائنا الطاهرة ستزهر بنصر قريب إن شاء الله”.
المركز الصحفي السوري_سماح خالد