ثمة تطوران على مستوى كبير من الاهمية والخطورة تعتقد مصادر سياسية انهما يوفران خلفية غير مريحة لتطور واقع الاوضاع في لبنان في الاسبوعين الاخيرين بصرف النظر عن الصلة المباشرة او غير المباشرة لهما بالواقع اللبناني ولو ان الحركة السياسية الداخلية الاخيرة والتي لا تزال مستمرة عزلت المعطيات الخارجية المؤثرة او التي يقال انها تؤثر من اجل التركيز فقط على المعطيات الداخلية . الامر او التطور الاول، والذي لم يخف الضجيج السياسي الداخلي، تتصل مفاعيله بالهجمة غير المسبوقة للطيران الروسي على حلب من اجل مساعدة النظام على استعادة السيطرة عليها في توظيف فاضح اولا لواقع تحول الرئيس الاميركي باراك اوباما بطة عرجاء، وهي التسمية التي تطلق على الرئيس الاميركي في اواخر عهده الرئاسي حين يغدو ضعيفا، في بداية الاشهر الاربعة الاخيرة من ولايته الرئاسية . فهو اذ وضع فيتو على قانون “العدالة ضد رعاة الارهاب” الذي يسمح لذوي عائلات ضحايا 11 ايلول 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية لم يمنع الكونغرس الاميركي من اعادة التصويت عليه واقراره في مؤشر على الضعف الذي اضحى عليه اوباما وربما تصفية حسابات معه في اواخر ايامه الرئاسية. وثانيا للعجز الذي اظهره اوباما في مقاربة الملف السوري ومعرفة روسيا وعلى لسان احد الديبلوماسيين الروس انه يرغب في انتهاء عهده ببعض التهدئة في الملف السوري في الوقت الذي لم يفت روسيا كما سواها التناقض في المواقف الاميركية من الاتفاق الذي توصل اليه وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بحيث اعتبر قصف التحالف بقيادة اميركا مواقع جيش النظام السوري في دير الزور محاولة لنسف التعاون مع روسيا عسكريا واستخباريا في سوريا. ومع ان مصادر ديبلوماسية عدة توقعت سعي روسيا وحلفاء النظام اي ايران ايضا الى الاستفادة من الوقت الضائع حتى انتخاب رئيس اميركي جديد وتسلمه مهماته من اجل فرض امر واقع جديد، فان التدمير المنهجي لحلب لم يكن متوقعا مباشرة من جانب روسيا وفق ما تقول هذه المصادر. لكن انخراطها المباشر يؤشر الى لامبالاتها برد الفعل الاميركي والغربي في ظل فرصة سانحة ومثالية لها لانها لا تخشى رد فعل عنيفا في المقابل. ولهذا كله وقعه في الخلفية الاقليمية للصراع المحتدم في المنطقة بحيث لا يمكن تجاهل ان رهانات كبيرة تعقد عليه من دون استبعاد ان يكون لحظة منتظرة لترجمتها في لبنان ايضا. ومع ان الولايات المتحدة اعلنت درسها جملة خطوات للرد على تدمير حلب وهي سعت بذلك الى حفظ ماء الوجه ازاء عدم قدرتها على ردع روسيا كما الى ابقاء المبادرة في يدها بدلا من انتقالها الى الدول الغربية الحليفة التي لا تستطيع تحمل تهجير جديد يوصل الوف اللاجئين الى ابواب اوروبا، فانه يخشى الا ينجح رد الفعل الاميركي في ردع اتجاه يبدو ماثلا للعيان اي تمكين روسيا وايران النظام من اعادة السيطرة على حلب لاسباب واعتبارات مفتوحة على احتمالات شتى .
الامر الاخر في الخلفية الاقليمية والذي لا يجوز اغفاله هو مفاعيل موقف الكونغرس الاميركي واقراره قانون ” العدالة ضد رعاة الارهاب” المعروف بـ “جاستا” بما يعنيه ذلك على مستوى الاستهداف المعنوي ولاحقا المادي للمملكة. اذ انه في خضم الصراع الاقليمي المحتدم بين الدول العربية الخليجية وايران يأتي اقرار الكونغرس الاميركي القانون المذكور ليوجه ضربة قاسية لحليف تاريخي في وقت صعب بحيث لكل عنصر من عناصر هذا الصراع ما يدخل عليه اهمية كبيرة خصوصا لجهة التحول الذي يشهده الواقع الاميركي بالانفتاح على ايران واقامة مسافات بين المجتمع الاميركي والمملكة العربية السعودية. ويعود ذلك الى زمن توقيع الاتفاق النووي مع ايران في تموز 2015 والذي كان منطلقا لتوتر بين الولايات المتحدة والدول الخليجية عموما والمملكة خصوصا لم تنته مفاعيله بعد على رغم المحاولات الجدية من الجانبين الاميركي والسعودي للتخفيف منه. لكن هذا القانون سيوظف حكما في الصراع الدائر في المنطقة من ضمن الحملات السياسية التي تشمل التقارير عن استهداف مدنيين واطفال في اليمن وما الى ذلك.
وبصرف النظر عن مفاعيل ذلك لاحقا وامكان استدراكه فان اللحظة الراهنة حافلة بمؤشرات سلبية بحيث تترك علامات استفهام كبيرة عن تأثير هذه المؤشرات على لبنان. اذ ان هذا الاخير الذي عاش على وقع مفاعيل الازمات الاقليمية المتناسلة خلال الاعوام القليلة الماضية يعيش ازمة خانقة لجهة تفكك مؤسساته الدستورية وفي ظل وضع اقتصادي يقارب الانهيار. وهي عوامل كافية وحدها لان تحرك محاولات السعي الى ايجاد خرق في الازمة المستمرة. لكن وفي ظل الصراع الاقليمي الذي ارخى بظلاله على لبنان لا ينظر الى محاولة الخرق الجارية في الوقت الحالي من زاوية محلية فحسب بل من زاوية الخلاصات الاقليمية ايضا وانعكاسها ليس فقط من حيث المناخات التي تتركها عموما بل من حيث ترك لبنان يتخبط وحده في محاولة ايجاد حل لا يدفع من خلاله الاثمان من خلال خيارات معينة. اذ ليس خافيا ان ليس ثمة اي ود بين العماد ميشال عون وسائر الزعامات وهناك تخوف كبير من وصوله ، لكن المشكلة ليست شخصية فحسب بل ايضا هناك قلق مما ستعنيه رئاسة عون في حال انتخابه في الميزان الاقليمي وما اذا كان انتخابه عنوان ازمة وليس عنوان انفراج على وقع مسار التطورات في المنطقة.
النهار