اتخذت التطورات السياسية والميدانية في حلب، أمس الثلاثاء، مساراً جديداً، في ظلّ بروز سلسلة مواقف، تراوحت بين عقد جلسة لمجلس الأمن، وصولاً إلى “احتمال وقف القتال في حلب وشمولها بالهدنة”، مع ظهور معطيات جديدة عن توجّه قوات النظام السوري من حماة إلى حلب، للمشاركة في الاجتياح البري للمدينة.
وفي موسكو، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، بعد لقائه المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن رغبته في “أن يشمل نظام الهدنة مدينة حلب مجدداً”، متوقعاً حصول ذلك “في غضون ساعات”.
بموازاة ذلك، دعت فرنسا وبريطانيا، إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي، لبحث الوضع في المدينة، حسبما أفاد سفيرا البلدين، الفرنسي فرنسوا دولاتر، والبريطاني ماثيو رايكروفت. علماً أن مصر، والتي تترأس مجلس الأمن، رفضت الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الأمن تكون خاصة بحلب ومجزرتها.
ووصف دولاتر حلب بأنها “مركز لمقاومة الرئيس السوري بشار الأسد”، مؤكداً أن “المدينة الشهيدة تتعرض لقصف مستمر منذ 2012″. ويتوقع أن يُعقد الاجتماع خلال الأيام المقبلة. مع العلم أن مجلس الأمن طالب، أمس، جميع الأطراف المتحاربة بـ”حماية المستشفيات والعيادات الطبية”.
ميدانياً، كشفت مصادر في شمالي سورية لـ”العربي الجديد” أن “قوات النظام تستعد، على ما يبدو، لبدء عملية عسكرية برية، في مناطق سيطرة المعارضة في حلب، وذلك بعد 12 يوماً من القصف الجوي والمدفعي، والذي أدى لسقوط أكثر من 350 قتيلاً وعشرات الجرحى، فضلاً عن دمارٍ واسع في البنية التحتية بالمناطق المستهدفة”. وأكدت المصادر أن “حشوداً من مختلف تشكيلات ومليشيات نظام الأسد يجري إعدادها وتجميعها لإرسالها باتحاه الشمال، تحديداً حلب، وذلك في إطار تجهيز عملية لاقتحام المدينة”.
من جهته، أشار مدير “مركز حماة الإعلامي” يزن شهداوي لـ”العربي الجديد”، إلى أن “مصادر خاصة من داخل الغرفة الأمنية لنظام الأسد في محافظة حماة أبلغتنا بأن النظام أعطى أوامر لكافة قادة المليشيات والمجموعات الأمنية والعسكرية واللجان الشعبية داخل مدينة حماة وريفها، بأن يقوم قائد كل مجموعة بإرسال نصف عدد المجموعة التي يقودها تحت طائلة الالتزام والتنفيذ”، مرجّحاً أن ذلك “تمهيد للبدء بمعركة اقتحام حلب”.
وتأتي الضغوط الميدانية أخيراً بهدف استثمارها سياسياً في الاتصالات واللقاءات الجارية في جنيف، والتي ترمي إلى إعادة شمول حلب بالهدنة مجدداً، ولكن بشروط جديدة. ويبدو أن تصعيد قوات النظام عمليات القصف على الأحياء السكنية في حلب بغطاء سياسي روسي، جاء لإجبار المعارضة المتمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، على العودة إلى طاولة محادثات جنيف لتمرير المزيد من الوقت، بعدما جمدت مشاركتها فيها إلى حين تنفيذ البنود الإنسانية، والتي نصّ عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254، إلى حين إيقاف النظام لعمليات خرق الهدنة من جانبه.
وما يعزز احتمالات المقايضة بين وقف حرق حلب وعودة وفد الهيئة العليا للتفاوض إلى طاولة جنيف، كلام المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وحرفيته أن محادثات جنيف “قد تستأنف قريباً إذا تمت توسعة نطاق الهدنة لتشمل مدينة حلب”. وتابع دي ميستورا: “سيكون مايو/ أيار شهراً مهماً بالنسبة لسورية. إذا كان هناك تأكيد قاطع – كما نأمل جميعاً – بأنه حتى حلب ستعود إلى نظام وقف إطلاق النار فنستطيع أن نتصور إمكانية استئناف المحادثات في الوقت ذاته”.
في هذا الإطار، تسعى روسيا، بالإضافة إلى إجبار المعارضة على العودة إلى طاولة المفاوضات، إلى الضغط عليها أيضاً لتشكيل حكومة جديدة بقيادة النظام، ومن دون الحديث عن تنحّي رئيسه بشار الأسد. وذلك في وقت تتمسّك فيه المعارضة بعملية انتقال سياسي، تنتقل فيها السلطة بالكامل إلى هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، كالتي تحدث عنها بيان جنيف 1 عام 2012.
ويبدو أن هذه الطلبات غير قابلة للتحقيق حالياً مع ثبات موقف المعارضة السياسي، وتماسك قواتها على الأرض. الأمر الذي يُرجّح قبول روسيا مرحلياً، بشمول الهدنة مدينة حلب بعد سيطرة قوات النظام على الأجزاء التابعة للمعارضة في المدينة. عندها، يمكن لروسيا أن تكتفي في الوقت الحالي، بإنشاء مركز في جنيف لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في سورية خلال الأيام المقبلة. حتى إن لافروف أعلن أمس أنه “سيتم إنشاء مركز روسي أميركي مشترك خلال الأيام القليلة المقبلة في جنيف، للردّ السريع على انتهاكات نظام وقف إطلاق النار”، وهو أمر قد يجعل أي إنهاء من أي فصيل تابع للمعارضة لنظام وقف إطلاق النار مسوغاً لدى الروس، لتقديم غطاء كامل للنظام في عمليات قصفه لمناطق سيطرة المعارضة في الريف الخارج عن سيطرة دمشق مستقبلاً.
كما اهتزت حلب بالكامل، أمس، لدرجة اعتقد معها بعض السكان أن هزة أرضية ضربت المدينة، إلا أن مصادر المعارضة أكدت لـ”العربي الجديد”، أن “قواتها نجحت بتفجير شحنة متفجرات كبيرة، أسفل مبنى كانت تتحصّن فيه قوات النظام قرب مبنى المالية، في حي جمعية الزهراء إلى الغرب من حلب”. وشاهد السكان الدخان الناتج عن عملية التفجير من جميع أحياء المدينة، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة، إثر محاولة قوات المعارضة التقدم فيها باتجاه فرع الاستخبارات الجوية، والذي تتحصّن فيه قوات النظام في مدخل مدينة حلب الغربي.
في هذا الإطار، قال الناشط حسن الحلبي لـ”العربي الجديد”، إن “الاشتباكات في حي جمعية الزهراء تزامنت مع اشتباكات بين قوات المعارضة وقوات النظام على جبهات الراشدين والبحوث العلمية غربي حلب”.
ولفت الحلبي إلى أنه “ترافق القصف الجوي على مناطق سيطرة المعارضة في المدينة مع الاشتباكات، كما شنّت طائرات حربية يُعتقد أنها تابعة للنظام نحو خمس غارات جوية على مناطق سكنية في حي الهلك شمال حلب، ما أدى إلى إصابة عشرة مدنيين على الأقل بجراح، قامت فرق الدفاع المدني بنقلهم إلى المستشفيات”. واستهدف الطيران الحربي أيضاً حي الشعار، والذي تسيطر عليه المعارضة شرق حلب بثلاث غارات جوية، فضلاً عن استهداف حي الصاخور، المجاور، بغارتين جويتين أيضاً.
وأدى القصف الجوي على حي البويضة أيضاً إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين، وفقاً لما أفاد الناشط الإعلامي منصور حسين لـ”العربي الجديد”. وأضاف حسين بأن “القصف الصاروخي طاول حي السكري بالمدينة، وأدى لمقتل مدني وإصابة آخرين”. كما ذكرت شبكة “سورية مباشر” أن “قتيلين وجرحى عدة سقطوا جراء غارات جوية للطيران الحربي على حي الفردوس”.
بموازاة ذلك، تعرضت مناطق عدة من ضمنها ضهرة عواد، لقصفٍ بالبراميل المتفجرة، كما استهدف قصفٌ مدفعي حي كرم البيك الذي تسيطر عليه المعارضة شرق حلب. ووقع أيضاً انفجار كبير أمام مدخل مستشفى الضبيط في حي المحافظة، بمناطق سيطرة النظام في المدينة، ما أدى إلى تدمير واجهة المستشفى بالكامل، ومقتل وجرح مدنيين لم يعرف عددهم بعد.
وفي الوقت الذي اتهمت فيه مصادر النظام الإعلامية المعارضة بقصف المستشفى بصاروخ من نوع “حمم”، نفى نشطاء محليون هذه الاتهامات، واتهموا بدورهم قوات النظام بقصف المستشفى للقول إن قوات المعارضة تستهدف المستشفيات أيضاً، بعد الضجة الكبيرة التي أحدثها قصف النظام السوري لمستشفى القدس في مناطق سيطرة المعارضة بحلب الأسبوع الماضي.
واستند النشطاء بنفيهم إلى حقيقة أن واجهة المستشفى التي تم استهدافها تتجه نحو ناحية الغرب، وأقرب نقطة للمعارضة غرب المستشفى، تقع في منطقة البحوث العلمية في حلب، وهي على بعد أكثر من ستة كيلومترات من المستشفى. الأمر الذي يجعل وصول صاروخ “حمم” محلي الصنع الذي تصنعه المعارضة، والذي لا يزيد مداه عن 1.5 كيلومترا، إلى المكان أمراً مستحيلاً.
العربي الجديد