بلا أدنى شعور بأي رحمة تضرب آلة الحرب الإجرامية لروسيا وإيران والأسد مدينة حلب مستهدفة كل معالم الحياة دون أي تفريق بين أي من تلك الأرواح المقهورة، من شارع إلى شارع ومن حارة إلى حارة تنهار الحجارة حتى لم يبقى فيها سور واحد قائم على أركانه، وحشيّة لم يسبقهم بها أحد، تراجيديا فاقت تراجيديا الإجرام في غزة بمستويات ومستويات، والسؤال هنا: ما الذي تفعله مليشيات إيران وروسيا في حلب؟ وبأي حق دخلوا أكثر المناطق استراتيجية في الصراع السوري؟ وماذا تريد كل هذه المليشيات المجرمة في تدخلها هذا؟
مع استمرار تعقيدات المشهد السوري واستمرار السياسية الأمريكية غير المتزنة في إدارة معركة الشمال بمحاولة التوازن بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردي، تعلم تركيا في نفس الوقت مكانها وحدودها ولا تستطيع تجاوز تلك الحدود بسبب الضغوط الخارجية، فإدارة أوباما المغادرة تُدير الصراع في آخر أيامها باسم حرب تنظيم داعش ولا تسمح هي والعالم الغربي بأي تحركات لتركيا في الشمال السوري بعمليات درع الفرات، الأمر الذي ترك الساحة فارغة لروسيا وإيران والأسد.
تعيش مدينة حلب اليوم حالة إجرامية نادرة في التاريخ البشري، ولشدة إجرام الغُزاة فهم لم يراعوا حرمة لمستشفى أو للقوافل الانسانية أو لأي مرفق من المرافق العامة، فقصفوها وقتلوا أهلها. ولو نظرنا إلى ضحايا الأسبوع الأخير فقط لوجدناهم تجاوزوا الـ500 قتيل وأكثر منهم من الجرحى. كل هذا الإجرام لم يُواجه إلا ببعض الرفض والاستنكار ورمي التهم هنا وهناك، وحتى في اجتماع الأمم المتحدة اقتصر الرد الأممي العالمي على عبارات الشجب والاستنكار! لو نظرنا إلى مآلات الأمور في حلب لوجدنا أن روسيا لن تكتفي بتقسيمها، وإنما ستستمر بالتوغل والقتل والتنكيل حتى تستعيد كامل المدينة من أيدي الثوار وتسلمها في النهاية للمجرم بشار الأسد.
تستمر قوى الإجرام الثلاثي روسيا- إيران- الأسد في فرض الأمر الواقع بدخولها الهمجي إلى مدينة حلب آخر الملاجئ في سوريا، ومع استمرار توسع رقعة الدم بات هذا الثلاثي يدفع كل من يحتمي بآخر القلاع السورية إلى الهجرة والمغادرة، فلا راعى مثلث الإجرام هذا حرمة الـ400 ألف الذين قتلهم، ولا حتى الـ8 ملايين الذين هجّرهم، ليرسم بيده المُلطخة بدماء الأحرار في سوريا صورة لمأساة فاقت آلاف المرات تراجيديا غزة الحزينة.
مصطفى كرالي أوغلو – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس