التكتيك هو الخيار الذي تقره الاستراتيجية للتعامل مع العدو على الأرض، لكن الجنرال الروسي بوريس داساييف «Boris Dasaev» قائد العمليات الجوية الروسية العاملة في سوريا في حيرة من أمره متى يوقف القصف الجوي ويبدأ في وضع تكتيك الحملة البرية. وهنا تبرز أمامه معضلتان: تتعلق الأولى بمعرفة قدرة الثوار على القتال، والأخرى تتعلق بالقوة البرية التي ستمسك الأرض. واتّساع مساحة عدم التيقن عن حالة الثوار تتمثل في صعوبة مسح ساحة المعركة والتي تحتاج لتخصيص موارد هائلة ليست في خزينة الحرب الروسية لتوفير أنواع عدة من طائرات التجسس. كما تتطلب معرفة حالة العدو استخدام أقمار صناعية بكاميرات متنوعة على مدار الساعة لرصد أجسام ثوار مهرة في التخفي بين الأنقاض. وقدرة على رصد الآليات والمدرعات، ورادارات يوم غائم وأجهزة اعتراض الاتصالات.
أما المعضلة الثانية فتتمثل في معرفته بأن جيش الأسد والميليشيات الموالية له تفتقر للإرادة القتالية الحقيقية، أو أنها لا تملك الشجاعة الكافية للتقدم والإمساك بالأرض، جراء عدم تجانس العناصر المقاتلة نتيجة اختلاف جنسياتها، وعدم تأهيلهم في مناورات لسنوات عدة قبل خوض «معركة تحالف» أو «معركة أسلحة مشتركة» جوية وبرية وبحرية. وقد أثبت الشهر الماضي ذلك فقد أعطت القوة الجوية الروسية مجالا لتقدم قوات الأسد وبمجرد توقف الغارات الجوية عادت فصائل المعارضة للسيطرة على المناطق التي انسحبت منها؛ فيتم أسر جنود قوة النظام المقتحمة وتدمير آلياتهم، وإن لم يتم ذلك تخندق جنود الأسد وبقوا أسرى خنادقهم. ويعني ذلك للجنرال الروسي أنهم فشلوا في تحقيق جوهر المطلوب في الحرب البرية، فالحرب لا تنتهي بمجرد الاستيلاء على الأرض وترك ما خلفته المعارك من دمار وخراب وفوضى، بل يجب مسك الأرض» Seize And Hold Ground» بما يشمله هذا التعريف العسكري من التخلص من آثار الحرب، وفرض مظاهر السيادة، وتدعيم الاستقرار والأمن فيها.
أما في الحملة الجوية نفسها فقد تكشف خلال الشهر الماضي أن بوتن قد أرسل عددا محدودا من المقاتلات ليس لمعظمها قدرة على القتال الليلي. فالسوخوي بأنواعها 24-25- ضعيفة المناورة وذات أجهزة تسديد متخلفة رغم تحديثها أكثر من مرة، كما أن حجمها كبير وضجيجها مرتفع ومشاهدتها سهلة، فتلقي قنابلها من ارتفاعات عالية فتفقد دقة الإصابة. أما الطائرة سوخوي 35 فطائرة حديثة ومخيفة لكنها كبيرة الحجم ضعيفة التصفيح. أما الهليكوبتر «مي- 25-MI « الهجومية فكانت تستخدم لإلقاء البراميل المتفجرة، ويبدو أن «صاروخ تاو» سينهي فعاليتها أثناء طيرانها المنخفض. كما تعاني الحملة الجوية الروسية من عدم توفر بنك أهداف، ما دفعهم لاستجداء واشنطن للحصول على الأهداف فرفضت التعاون معهم رغم وحدة الهدف؛ فاعتمدوا على معلومات مسيسة من طهران أوقعت المجازر بالمدنيين السوريين الأبرياء عمدا، بل إن سوء النوايا الإيرانية تجاه الروس ظهر في خطأ المعلومات التضاريسية التي تسببت في ارتطام أربعة صواريخ كروز أطلقت من سفن حربية روسية في بحر قزوين بالأراضي الإيرانية، في مفارقة تبشر بصدام بين موسكو وطهران خصوصا بعد ارتفاع نبرة انزعاج إيرانية من خسرانهم لاستثمارات ضخمة وضعوها في «صندوق الأسد القابض»، لكنه فقد الأراضي السورية المنتجة للنفط والقمح وهو في طريقه لتسليم «سوريا المنتجة» بموانئها ومطاراتها للروس.
صحيفة العرب