يخشى اللبنانيون من أن يدفع التصعيد بين إيران والإدارة الأميركية الجديدة، حزب الله إلى اتخاذ خطوات تنسف المناخ الإيجابي العام الذي يخيم على لبنان.
وتشهد العلاقة بين واشنطن وطهران توترا لافتا، وسط تلويح إدارة الرئيس دونالد ترامب باتخاذ المزيد من الخطوات في مواجهة “الدولة الراعية الأولى للإرهاب” في إشارة إلى الميليشيات الشيعية خاصة ومن ضمنها حزب الله اللبناني.
وبعد أيام من وضع الإدارة الأميركية عددا من الكيانات والشركات المرتبطة بإيران في القائمة السوداء، أكد مسؤولون أميركيون أن الإدارة الجديدة تبحث اقتراحا قد يؤدي إلى إدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة التنظيمات الإرهابية.
وبالتأكيد هذا الأمر سيربك حزب الله، الذي يعتبر إحدى أبرز أذرع إيران العسكرية التي تعتمد عليها في مشروعها التوسعي بالمنطقة العربية ( لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن مثالا).
ويقول البعض إن تصعيد حزب الله بالداخل اللبناني، لايخدمه في الوقت الحالي، ولكن في حال أقدمت إدارة ترامب فقد يجنح إلى ذلك تحت منطق “صراع الإرادات”، وقد تقدم إيران على دفعه تجاه هذا الخيار للابتزاز.
بالمقابل يرى سياسيون أن الحزب بدأ فعلا في إرسال إشارات تصعيدية للداخل، ولعل رفضه التام مؤخرا للقانون الانتخابي المختلط، وتمسكه بالنسبة المطلقة أحد عناوينه.
ويمكن قانون النسبية الكاملة الحزب من السيطرة على الحياة السياسية في لبنان، وهذا أمر يعتبره الكثيرون كارثيا خاصة مع امتلاك الحزب لترسانة من الأسلحة سبق وأن وجهها إلى الداخل (أحداث 7 مايو مثالا).
وأكد النائب عن كتلة المستقبل غازي يوسف “أن الحوار مع حزب الله لا يزال قائما، وأجواء التصعيد المعلنة لا تخدمه”.
ويناقض تصعيد حزب الله المناخ الإيجابي العام الذي ساد في الفترة الأخيرة، ومع المواقف المعلنة لمعظم القوى السياسية، التي كشفت عن ميل إلى التناغم مع جو التسويات والتهدئة الذي ساد مع زيارة الموفد السعودي ثامر السبهان إلى بيروت.
وأشار النائب عن كتلة المستقبل النيابية زياد القادري في تصريح موجز إلى أن تيار المستقبل “لن يعتمد سياسة التصعيد الذي يتبناها الحزب، وأنه سيستمر في العمل على تفعيل أجواء الحوار والتهدئة والسير في طريق التسويات”.
وتؤكد بعض القراءات إلى أن تصعيد حزب الله في الداخل اللبناني يردد أصداء المآزق الإيرانية، التي بدأت ملامحها بالانكشاف في العديد من الساحات التي تتدخل فيها عسكريا، أو تلك التي تسعى إلى توسيع دائرة نفوذها فيها.
واعتبر النائب غازي يوسف أنه “ليس من مصلحة الحزب حاليا افتعال أي تصعيد في الداخل اللبناني، وخصوصا مع حجم التغيرات الكبيرة التي طالت المشهد السوري وتأثيراته على إيران”.
وأشار يوسف إلى أن اعتماد التصعيد “لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى العودة إلى قانون الستين”.
وأكد بعض المحللين أن المشكلة التي يقع فيها حزب الله حاليا تكمن في أنه يعاني من ضغوط كبيرة في مختلف المجالات، وأنه يفتقد تماما إلى خطة لإدارة مفاعيل ما يعتبره انتصارا عسكريا في الميدان السوري في الداخل اللبناني.
وتنبه تحليلات أخرى إلى عجز الحزب عن استجلاء أفق واضح لمسار الأمور في المنطقة وتيقنه من أن الآفاق الاستراتيجية والمالية مغلقة أمامه، وأنه لا يستطيع التحكم فيها، وسيدفعه إلى إعادة العمل بسياسته التقليدية التي تقوم على التصعيد تمهيدا لتسويق التسويات اللاحقة بوصفها نوعا من التضحيات.
ويعلم الجميع في لبنان أن إقرار قانون النسبية الكاملة كما ينادي به حزب الله مستحيل عمليا، لأنه يناقض مصالح كل الأطراف خاصة في بلد فيه طوائف كثيرة ولا توجد فيه أحزب سياسية حقيقة، وتاليا فإن الإصرار على إقراره يعزل الحزب سياسيا، ويضرب جميع تحالفاته.
ولا تدل الأجواء السائدة أن الاستمرار في التصعيد يتلاقى مع مصالح حزب الله، وخصوصا أن التفاهمات والاتفاقات التي أنجزتها القوى الكبرى في المنطقة فتحت الباب أمام خيارات عديدة لا يمكنه التحكم في مساراتها، ولا ضبط تداعياتها عليه.
ويتخوف الحزب كثيرا من المشروع الذي قدم إلى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، والذي يطالب بضم الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت عقوبات جديدة على إيران في 3 فبراير كإجراء عقابي بعد قيامها بتجربة إطلاق صاروخ باليستي.
ويشدد مراقبون على أن تصعيد حزب الله في ما يخص القانون الانتخابي في لبنان ليس سوى انعكاس مباشر للغضب الإيراني من الإجراءات الأميركية التي تطالها مباشرة، بعد مرحلة ذهبية من التجاهل الأميركي لسلوكاتها التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وفي مقابل هذا الطرح يبدي النائب غازي يوسف تفاؤلا من أن ما يحدث من تصعيد هو في الواقع مقدمة لتسويات ويقول في هذا الصدد “الجميع يصعدون حاليا في لبنان، وقد سبق لرئيس الجمهورية أن صعد حين هدد بالفراغ، وكذلك فعل النائب وليد جنبلاط حين نادى بقانون الستين، وحزب الله يصعد عبر إصراره على طرح قانون النسبية”.
ويضيف “تجدر الإشارة إلى أن كل هذا المناح التصعيدي العام لا يعدو كونه وسائل ضغط تلجأ إليها القوى السياسية كي تحصل على أكبر قدر ممكن من المواقع داخل تركيبة التوافقات والتسويات القادمة”.
العرب اللندنية