د . محمد مرعي مرعي
يعرف كل صاحب قلم حر وضمير إنساني أن سلطة عائلة الأسد أعلنت حرب وجود مع كل شخص يكتب بحريته وفق المبادئ الإنسانية، لذلك حاربت السلطة كل كاتب ومفكر استشعرت أنه لا ينضوي تحت ظلالها مثل السادة محمد الماغوط، محمود شاكر،ممدوح عدوان، نزار قباني، صادق جلال العظم، طيب تيزيني، برهان غليون،انطون مقدسي،جورج طرابيشي، قسطنطين زريق، وغيرهم ..)، وحاربتهم بممارسات القتل أو التشريد أو التهميش أو التجويع كي يصبحوا عبرة لغيرهم ممن لا يقبعون تحت نيرها لأن بنيان تلك السلطة يفتك بها القلم الحر أكثر من فرق الجيش وفروع الأمن والأحزاب السياسية ، سيما بعدما أوجدت أجيالا من أشباه المثقفين الذين خرّجتهم بشكل خاص من جامعتي تشرين والبعث ودرّستهم في أوربا الشرقية أو غيرها ليخدموها كعبيد مقابل مزايا وقتية تعطيها لهم . لكن، بعد ثورة الشعب السوري أخاف القلم سلطة آل الأسد أكثر من أي سلاح آخر لأنه معول تدميرها ،فحاربت أصحاب القلم الحر بلا هوادة وكأنها حرب وجود إما هي أو أصحاب الأقلام الحرة والوطنية .
هذه الحالة عشتها شخصيا مع تلك السلطة المجرمة والمفسدة كوني مصنّف لديها من أصحاب القلم الحر،وبدأت فصولها عام 1990 إثر إعدادي دراسة في مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق ، وضّحت فيها تركيبة مجموعات الضغط ( اللوبيات ) في المركز تبعا للانتماء الطائفي والجغرافي لقيادات المركز والعناصر التابعة لها ، وقدمت الدراسة للمدير العام العلامة ( عبد الله وائق شهيد ) ، الذي قرأها باهتمام وأصدر قرار بتعييني معاونا له للشؤون الادارية والمالية ،لكنني رفضت ذلك كي اتجنب الصدام مع حيتان المركز آنذاك كوني عائدا حديثا من فرنسا بعد حصولي على الدكتوراه ، وطلبت منه تسميتي مديرا للاستخدام والتوظيف مرتبط به مباشرة ولي اشراف على كل ما يتعلق بالموارد البشرية بالمركز ولجانه القيادية ، وخلال سنتين فكّكت كل تلك اللوبيات بفعل التعيين والنقل والترفيعات وغيرها . لقد وصلت تلك الدراسة إلى علي دوبا الذي كان رئيس شعبة الأمن العسكري وطلب سجني ومحاكمتي وبعدها تصفيتي ، لكن الدكتور (شهيد ) رفض ذلك قطعيا واعتبر نفسه كلفني بالدراسة وهو من يحاسب ، وبذلك تخلصت من أول تصفية علمية فكرية من مجرمي السلطة.
انتقلت إلى جامعة دمشق رسميا عام 2003 وبوظيفة أستاذ دون المرور بمرحلة أستاذ مساعد كأول حالة تحصل في سوريا ، وأخذت القضية ضجة حينها سيما في حزب العبث كوني غير بعثي ،وجامعة دمشق التي فرض رئيسها الدكتور ( هاني مرتضي ) تعييني عميدا للمعهد العالي للتنمية الادارية رغما رغما عن الجميع نظرا لما لمسه من مشروع عمل قدمته له لتطوير جامعة دمشق وغيرها . وبعدها بدأ فصل آخر إذ طلب مني أمين فرع حزب البعث بالجامعة زيارته ورفضت كون وظيفة العميد وقانون الجامعات لا يتضمن التبعية لحزب البعث ، فنقلوا لي عبر وسطاء سنجعلك عبرة لكل أستاذ جامعي في سوريا وترافق ذلك مع مقالات لي في الصحافة الحكومية عن محاربة الفساد وبمقال زلزالي ( شطف درج الفساد الإداري ) فاجتمعت آراء (القيادة القطرية للحزب وفرعها في جامعة دمشق ووزارة التعليم العلي وجامعة دمشق ورئيس الوزراء ووزارة العدل وإدارة قضايا الدولة والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ) لتلفيق قضية جنائية لي بتهمة أنني سرقت ايرادات ورسوم جامعية للمعهد العالي الذي كنت عميده وصرفتها على ملذاتي الخاصة ، ويعرف كل طالب أن العميد لا علاقة له بالرسوم حيث تدفع في الصندوق الجامعي ، سجنت يومين فقط بقصد الإهانة واستمرت القضية 6 سنوات بمتابعة من كل تلك الجهات مع تصنيفي من قبل أجهزة الحزب والأمن ( شخص لا يعرف اختصاصه ، غير كفوء ، يدعي المعرفة ، متعجرف، وطني ) ، إلى ان اندلعت الثورة السورية وأصبحت قضيتي صغيرة أمام بقائهم في الحكم فأصدرت محكمة النقض قرارا مبرما بأن التهم باطلة وملقفة ،وتخلصت من تصفية علمية ثانية من قبل تلك السلطة الإجرامية. و أذكر أن الائتلاف وملحقاته صنفوني وفق التصنيف نفسه مع إبدال كلمة (وطني بلا وطني) ، الأمر الذي يثبت قطعيا وجود مرجع واحد للسلطة والائتلاف تجاه الكتاب والمفكرين الأحرار.
أنهي ، قد تكون قضيتي صغيرة أمام قضايا كتاب ومفكرين غيري ، لكنها عيّنة من جرائم تلك السلطة التي تعتبر كل من يكتب ضدها عدو لها ، ووجوده يهدد بقائها كما هو حال الائتلاف وملحقاته حاليا .
نعم ، إنها قضية وجود بين الطرفين لا يلتقيان ، وهناك جرائم أكبر على الكتاب والمفكرين السوريين.