من المغري شرح مشاكل الشرق الأوسط التي يبدو ألا نهاية لها من زاوية الاختلاف الطائفي. ففي العراق، مثلاً، يتواجه السنة والشيعة. وفي سوريا، يتواجه الرئيس الشيعي بشار الأسد والثوار السُنة. وفي اليمن، هناك حرب بالوكالة تدور بين السعودية السنية وإيران الشيعية، وقد ذهب بعض المراقبين إلى حد القول، إن المنطقة باتت على شفا انفجار ديني ملحمي شبيه بحرب الثلاثين عاماً التي مزقت أوروبا البروتستانتية والكاثوليكية إبان القرن السابع عشر.
بهذا المعنى، يمكن القو،ل إن السنة والشيعة هم أسرى صراع دموي مرير منذ القرن السابع الميلادي بسبب الخلاف حول من هو الأجدر بالخلافة، غير أن أكبر مشكلة في هذا التذكير التاريخي ربما هو تجاهله لكل ما حدث بين 680 و1980، مثلا. ذلك أن مقالات الرأي حول الحرب السُنية- الشيعية “القديمة” قلما تشير إلى فترة ال13 قرناً المهمة هذه – المعروفة أيضاً بأنها الفترة الكاملة التي يفترض أن السُنة والشيعة كانوا خلالها في صراع. وعلى غرار كل مكان في العالم، فإن شعوب هذه المنطقة كانت تتقاتل بكل تأكيد خلال هذه الفترة، وبوسع المؤرخين تقديم بعض الأمثلة على معارك جرت وفق خطوط سُنية- شيعية؛ ولكن الهوية الطائفية قلما شكلت المشكلة الرئيسية التي دفعت الناس في الشرق الأوسط إلى الحرب.
وحتى اليوم، قلما تمثل هذه الهويات المحدد الأهم للولاء السياسي مثلما يزعم بعض المتطرفين على الجانبين. ففي الثمانينيات، مثلاً، حارب الكثير من الشيعة بولاء وإخلاص لحساب صدام حسين ضد إيران الشيعية. وفي سوريا، دعم الكثير من رجال الأعمال السُنة في البداية نظام الأسد العلوي الشيعي، الذي يدينون له بالكثير من ثروتهم. وفي الأثناء، انضم الكثير من العلويين الشيعة الذين لديهم أفكار وتوجهات ديمقراطية إلى المعارضة في الدعوة إلى إنهاء حكم الأسد الاستبدادي. القصد من وراء هذا السرد التاريخي ليس هو القول، إن انفجار حرب طائفية اليوم مستحيل، بل هو إمكانية حقيقية، ليس بسبب أي شيء وقع خلال فترة الألف سنة الماضية، وإنما بسبب الكيفية التي يشرح بها الناس اليوم ما حدث خلال هذه الفترة. وللأسف، عندما يبدأ الناس في التشديد على أنهم كانوا دائما في حرب على مدى 13 قرناً، خلافاً لكل الأدلة، فإن ذلك يمثل مؤشراً خطيراً، وبدلاً من أن تعبّر عنه تعبيراً سياسياً، تميل مجموعات طائفية، مثل تنظيم “داعش” إلى تقديم خلافها على نحو ديني خالص. وعلى سبيل المثال، فإن الثوار المعارضين للأسد الذين تحرّكهم دوافع دينية لا ينددون بأنصار الرئيس، باعتبارهم مدافعين عن نظام دموي ومستبد، وإنما باعتبارهم كفاراً شيعة، كما أن بعض الشيعة يشرحون “داعش” ليس باعتباره تنظيماً إرهابياً محلي النشأة، وإنما باعتباره أحدث تعبير عن الطغيان السني الذي تكبدوه لأكثر من ألف سنة، بل إن البعض، وفي سعيهم لإعطاء معنى لهذه الادعاءات، يذهبون لحد القول، إن تفاصيل النزاع السوري تعود إلى حروب الأمويين.
والواقع أن العلاقات الأخيرة بين تركيا وإيران توفر مثالاً جيداً لمدى السرعة التي يمكن بها إعادة كتابة التاريخ لخدمة الأغراض السياسية المعاصرة، فمنذ أن أصبح البلدان منخرطين في الحرب الأهلية السورية على جانبين متضادين، تشير المقالات حول علاقاتهما في أحيان كثيرة إلى أنهما خصمان متنافسان منذ القرن السادس عشر.
وخلاصة القول، إن المتطرفين سعوا خلال العقد الماضي لاختزال الهويات المعقدة التي توجد في المنطقة في الانقسام بين السنة والشيعة، وهو أمر غير صحيح، ولكن الخطابات الطائفية للأسف هي التي كثيراً ما تكون لها الكلمة الأخيرة.
بهذا المعنى، يمكن القو،ل إن السنة والشيعة هم أسرى صراع دموي مرير منذ القرن السابع الميلادي بسبب الخلاف حول من هو الأجدر بالخلافة، غير أن أكبر مشكلة في هذا التذكير التاريخي ربما هو تجاهله لكل ما حدث بين 680 و1980، مثلا. ذلك أن مقالات الرأي حول الحرب السُنية- الشيعية “القديمة” قلما تشير إلى فترة ال13 قرناً المهمة هذه – المعروفة أيضاً بأنها الفترة الكاملة التي يفترض أن السُنة والشيعة كانوا خلالها في صراع. وعلى غرار كل مكان في العالم، فإن شعوب هذه المنطقة كانت تتقاتل بكل تأكيد خلال هذه الفترة، وبوسع المؤرخين تقديم بعض الأمثلة على معارك جرت وفق خطوط سُنية- شيعية؛ ولكن الهوية الطائفية قلما شكلت المشكلة الرئيسية التي دفعت الناس في الشرق الأوسط إلى الحرب.
وحتى اليوم، قلما تمثل هذه الهويات المحدد الأهم للولاء السياسي مثلما يزعم بعض المتطرفين على الجانبين. ففي الثمانينيات، مثلاً، حارب الكثير من الشيعة بولاء وإخلاص لحساب صدام حسين ضد إيران الشيعية. وفي سوريا، دعم الكثير من رجال الأعمال السُنة في البداية نظام الأسد العلوي الشيعي، الذي يدينون له بالكثير من ثروتهم. وفي الأثناء، انضم الكثير من العلويين الشيعة الذين لديهم أفكار وتوجهات ديمقراطية إلى المعارضة في الدعوة إلى إنهاء حكم الأسد الاستبدادي. القصد من وراء هذا السرد التاريخي ليس هو القول، إن انفجار حرب طائفية اليوم مستحيل، بل هو إمكانية حقيقية، ليس بسبب أي شيء وقع خلال فترة الألف سنة الماضية، وإنما بسبب الكيفية التي يشرح بها الناس اليوم ما حدث خلال هذه الفترة. وللأسف، عندما يبدأ الناس في التشديد على أنهم كانوا دائما في حرب على مدى 13 قرناً، خلافاً لكل الأدلة، فإن ذلك يمثل مؤشراً خطيراً، وبدلاً من أن تعبّر عنه تعبيراً سياسياً، تميل مجموعات طائفية، مثل تنظيم “داعش” إلى تقديم خلافها على نحو ديني خالص. وعلى سبيل المثال، فإن الثوار المعارضين للأسد الذين تحرّكهم دوافع دينية لا ينددون بأنصار الرئيس، باعتبارهم مدافعين عن نظام دموي ومستبد، وإنما باعتبارهم كفاراً شيعة، كما أن بعض الشيعة يشرحون “داعش” ليس باعتباره تنظيماً إرهابياً محلي النشأة، وإنما باعتباره أحدث تعبير عن الطغيان السني الذي تكبدوه لأكثر من ألف سنة، بل إن البعض، وفي سعيهم لإعطاء معنى لهذه الادعاءات، يذهبون لحد القول، إن تفاصيل النزاع السوري تعود إلى حروب الأمويين.
والواقع أن العلاقات الأخيرة بين تركيا وإيران توفر مثالاً جيداً لمدى السرعة التي يمكن بها إعادة كتابة التاريخ لخدمة الأغراض السياسية المعاصرة، فمنذ أن أصبح البلدان منخرطين في الحرب الأهلية السورية على جانبين متضادين، تشير المقالات حول علاقاتهما في أحيان كثيرة إلى أنهما خصمان متنافسان منذ القرن السادس عشر.
وخلاصة القول، إن المتطرفين سعوا خلال العقد الماضي لاختزال الهويات المعقدة التي توجد في المنطقة في الانقسام بين السنة والشيعة، وهو أمر غير صحيح، ولكن الخطابات الطائفية للأسف هي التي كثيراً ما تكون لها الكلمة الأخيرة.
نيك دانفورث – الاتحاد